إسرائيل وفقدان المناعة

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

أظهرت تطورات الأحداث الإسرائيلية المتسارعة، عمق الأزمة الناجمة عن زلزال السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي أفقدت إسرائيل «مناعتها» الداخلية، على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من «الوحدة» الهشة التي ظهرت في أعقاب الهجوم.

ليست الصدمة العنيفة وحدها هي من أفقد إسرائيل تلك المناعة، إذ سرعان ما احتشد الإسرائيليون بمختلف مشاربهم وتياراتهم السياسية والحزبية خلف قرع طبول الحرب، وتشكَل لديهم مجلس عسكري لإدارتها، ضم أجزاء من المعارضة إلى جانب الائتلاف الحكومي، وتم تجميد تحميل المسؤوليات بين القيادتين السياسية والعسكرية حول الإخفاق الإستراتيجي إلى ما بعد انتهاء الحرب.

لكن سرعان أيضاً ما ظهرت الخلافات حول أولوياتها وأهدافها، فهناك من أعطى الأولوية لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، كما يعبّر عن ذلك أهالي الرهائن وقوى المعارضة، وهناك من وضع سقوفاً عالية أقلها القضاء على حركة «حماس» ومعها الفصائل الفلسطينية الأخرى بالطبع، وإطلاق المحتجزين بالقوة، وإعادة احتلال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، تمهيداً لاعادة الاستيطان، كما تعبر عن ذلك قوى الائتلاف الحاكم واليمين المتطرف. غير أن عدم تحقيق أي من هذه الأهداف بعد نحو خمسة أشهر على اندلاع الحرب، باستثناء عمليات القتل والتدمير والإبادة الجماعية للفلسطينيين، بات يثقل كاهل القيادتين السياسية والعسكرية، ويشكك في قدرة الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر واحداً من أقوى جيوش العالم، في تحقيق «انتصار ساحق» على الفصائل الفلسطينية، كما يدعي نتنياهو، أو في تأمين الحماية للإسرائيليين أنفسهم، وبالتالي تأمين مستقبلهم على هذه الأرض، ناهيك عن استعادة الجيش قدرته على الردع وترميم هيبته وصورته في المنطقة والعالم.

هذه الإخفاقات أعادت الخلافات السياسية والاجتماعية الإسرائيلية إلى الواجهة على نحو أكثر عمقاً، فالانقسام الذي كان سائداً قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول حول التعديلات القضائية وتداعياتها، عاد للظهور مجدداً، وازدادت معها حالة الاستقطاب والاستقطاب المضاد داخل المجتمع الإسرائيلي. وباتت التظاهرات التي تطالب بإطلاق سراح الرهائن تتحول إلى حركة سياسية تطالب برحيل نتنياهو وحكومته المتطرفة. والخلافات داخل مجلس الحرب انفجرت إلى العلن، ووصلت إلى حد الصراخ والاشتباك بالأيدي، فيما أزمة الثقة بين الأطراف السياسية وصلت إلى الحضيض، واتهام بعضها بعضاً بالخيانة وما شابه، بينما تراجعت السردية الإسرائيلية وصورتها عبر العالم لتحل مكانها الحقيقة الفلسطينية، كما انفضّ مؤيدو إسرائيل التقليديون عنها باستثناء الولايات المتحدة، التي بدأت بدورها تتأرجح ربما قبل أن تغرق معها في مستنقع الإبادة الجماعية.

هذه العوامل وغيرها من التداعيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، انعكست على الداخل الإسرائيلي وأفقدته المناعة، التي كان يتمتع بها لسنوات طويلة، ليس فقط تجاه المخاطر التي جلبتها قيادتاه السياسية والعسكرية، وإنما تجاه إمكانية الخروج من أزماته العميقة، والندوب والتداعيات التي خلفها هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والعودة إلى ما كان عليه الحال سابقاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2j4efm2d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"