قواعد أمريكية في الصومال

00:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

سمر البلوشي*

في 15 فبراير/ شباط، وقّعت الحكومة الأمريكية مذكرة تفاهم مع حكومة الصومال لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية للجيش الوطني الصومالي بحجة تعزيز قدرات الجيش في القتال المستمر ضد جماعة الشباب المسلحة.

وهذا تطور مثير للقلق لا يهدد فقط بالمزيد من عسكرة الصومال وإدامة حرب لا نهاية لها، بل يأتي مصحوباً باحتمال تفاقم المنافسات الجيوسياسية على حساب احتياجات ومصالح الصوماليين العاديين.

ووفقاً لتصريحات المسؤولين الأمريكيين، فإن القواعد مخصصة للواء الداناب («البرق»)، وهي قوة عمليات خاصة ترعاها الولايات المتحدة تم إنشاؤها في عام 2014. وجاء تمويل«داناب» في البداية من وزارة الخارجية الأمريكية، التي تعاقدت مع شركة الأمن الخاصة (بانكروفت غلوبال) لتدريب الوحدة وتقديم المشورة لها. وفي الآونة الأخيرة، تلقت «داناب» التمويل والمعدات والتدريب من وزارة الدفاع.

وأصبح الدعم الأمريكي ممكناً من خلال (برنامج 127e)، وهو سلطة ميزانية أمريكية تسمح للبنتاغون بتجاوز إشراف الكونغرس من خلال السماح لقوات العمليات الخاصة الأمريكية باستخدام الوحدات العسكرية الأجنبية كبديل في مهام مكافحة الإرهاب.

لكن مذكرة التفاهم هذه تتعلق بما هو أكثر بكثير من مجرد التزام الحكومة الأمريكية المعلن بمساعدة الصومال على هزيمة حركة الشباب. إنه مؤشر واضح على الأهمية الجيوسياسية المتزايدة للقرن الإفريقي، ويأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف (ومعظمها محاولات من جانب الحوثيين في اليمن لتعطيل الشحن العالمي تضامناً مع الفلسطينيين في غزة) بشأن تأمين تدفق التجارة الدولية عبر البحر الأحمر. ويتزامن ذلك أيضاً مع الوعي المتزايد بأن التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط قد تجبر الولايات المتحدة على الخروج من العراق.

إن خطة الحكومة الأمريكية لتدريب قوات الأمن الصومالية في القواعد العسكرية المنشأة حديثاً في خمسة أجزاء مختلفة من البلاد (بيدوا، ودوساماريب، وجوهر، وكيسمايو، ومقديشو) هي استراتيجية من الباب الخلفي ليس فقط لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في الصومال، بل يجب عليها أن تضع نفسها بشكل أكثر حزماً في مواجهة القوى الأخرى في المنطقة. وفي الواقع، فإن (برنامج 127e) ليس السياسة الوحيدة التي تسمح بتدريب وتجهيز القوات الأجنبية كوكلاء: فالقسم 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018 يوسع قدرة الولايات المتحدة على شنّ الحرب عبر قوات بديلة في الأماكن التي لديها فيها. ولم يتم إعلان الحرب رسمياً، بهدف أوسع يتمثل في مواجهة نفوذ الخصوم مثل الصين وروسيا.

وفي حين تم قول الكثير في محاولة تحليل المنافسة بين القوى العظمى في القارة، إلا أننا لم نقم بعد بالتدقيق بشكل كاف في النفوذ المتزايد للقوى المتوسطة مثل تركيا وغيرها، التي تحاول كل منها التفاوض على مجالها نفوذها الخاص، وتشير مشاركتهم في القرن الإفريقي إلى عدم يقين، إن لم يكن تراجع قوة الولايات المتحدة.

وتحتفظ تركيا بأكبر وجود عسكري أجنبي لها في مقديشو، وقد قامت بتدريب قوات الأمن الصومالية، وعملت مؤخراً بشكل وثيق مع الحكومة الصومالية في شنّ ضربات بطائرات من دون طيار ضد حركة الشباب.

وفي تأكيد إضافي على المشاركة التركية العميقة في البلاد، وقّعت الصومال وتركيا اتفاقيات دفاعية واقتصادية في وقت سابق من الشهر الماضي. وقد قامت بعض الدول أيضاً بتدريب قوات الأمن الصومالية المحلية، ومواصلة تدريبها، كجزء من استراتيجية أوسع لتأمين الوصول إلى الأسواق الإقليمية وتأكيد سيطرتهما على ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر.

ومع انسحاب بعثة «حفظ السلام» التي يرعاها الاتحاد الإفريقي - والتي كانت تُعرف سابقاً باسم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال ولكن أعيدت تسميتها ب «أتيميس» في عام 2022 - أعرب المحللون عن مخاوفهم بشأن الطبيعة التوسعية لتورط الجهات الفاعلة الأجنبية في الصومال وخطر المنافسة على غرار الحرب الباردة التي تؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار. وفي الواقع، أدى التدريب الذي تم برعاية أجنبية لوحدات «النخبة» المتعددة من الجيش الوطني الصومالي (داناب، وران، وغاشان) إلى حدوث انقسامات داخلية داخل المؤسسة الأمنية في الصومال، حيث أثار قضايا التسلسل القيادي وتساؤلات حول ولاء هذه الوحدات. وكما قال كولين د. روبنسون وجهارا ماتيسيك، الخبيران الإقليميان والعسكريان، فإن «الشيء الوحيد الأسوأ هو أن الوحدات الصومالية المختلفة أصبحت أكثر ولاءً واعتماداً على راعيها الأجنبي، ما يعرقل المنطق السياسي المتمثل في وجود قوات أمنية تبدو وكأنها أشبه بوكلاء مستأجرين أكثر من كونهم منظمين محلياً للدفاع عن النفس. وقد يساهم هذا في تنامي التصور بأن الصومال أصبح ساحة شديدة التنافسية بين الدول الإقليمية والعالمية».

وفي مقديشو، يرحب العديد من الصوماليين بالإعلان الأمريكي، وربما يأملون في بعض الحالات في الحصول على فرص عمل، وفي حالات أخرى ينظرون إلى الدعم العسكري الأمريكي ووجودهم كحاجز محتمل ضد إثيوبيا. ولكن إذا كانت المغامرات الأمريكية الفاشلة على مدى العقود العديدة الماضية في الصومال تمثل أي مؤشر، فإن توسيع المشاركة الأمريكية يهدد بإدامة الصراع بدلاً من التقليل منه.

* زميلة غير مقيمة في معهد كوينسي وأستاذ مساعد في الأنثروبولوجيا بجامعة كاليفورنيا. (ريسبونسبيل استيتكرافت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrycn5tj

عن الكاتب

زميلة غير مقيمة في معهد كوينسي وأستاذ مساعد في الأنثروبولوجيا بجامعة كاليفورنيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"