خندق من نار
قال العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه: كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: لله علي إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ عنقه، فأخبرت رسول الله بقوله فخرج غاضباً حتى دخل المسجد، وعجل أن يدخل من الباب فاقتحمه من الحائط، وقرأ سورة العلق حتى بلغ شأن أبي جهل (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) إلى أن بلغ نهاية السورة فسجد، فقال إنسان لأبي جهل: يا أبا الحكم هذا محمد سجد، فأقبل نحوه، ولم يلبث أن قفل راجعاً، فقيل له: لمَ لم تفعل؟ فقال: رأيت بيني وبينه خندقاً من نار.
سماحة عمر
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بيته في ليلة حالكة السواد ليتفقد بعض المناطق في المدينة، وأثناء مسيره سمع أصوات رجال من أحد البيوت، فاقترب من بابه وأمعن النظر من خلال شقوقه فرأى عبداً أسود يشرب الخمر مع أصحابه، فحاول الدخول إلا أن الباب استعصى عليه، ولكنه تمكن من الوصول إلى السطح فنزل إليهم، ولما رأوه هربوا فأمسك بالأسود، فقال له: يا أميرالمؤمنين أخطأت وإني تائب، فقال: أريد أن أضربك على خطيئتك، فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فأنت أخطأت في ثلاث، فإن الله قال: «ولا تجسسوا» وأنت تجسست، ويقول سبحانه: «وأتوا البيوت من أبوابها» وأنت أتيت من السطح، ويقول: «لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها» وأنت دخلت وما سلمت، فهب هذه لتلك وأنا تائب إلى الله، فاستحسن عمر كلامه واستتابه.
منطق يخاطب العقل
اشتهر القاضي إياس بن معاوية المزني بذكائه الحاد وفطنته، ويحكى أن دهقاناً (*) أتى مجلس إياس فقال: يا أبا وائلة، ما تقول في المسكِر؟ قال: حرام، قال: وما وجه حرمته وهو لا يزيد على كونه ثمراً وماء غليا على النار، وكل هذا مباح لا شيء فيه، فقال إياس: أفرغت من قولك يا دهقان أم بقي لديك ما تقوله؟ فقال: بل فرغت، فقال: لو أخذتُ كفاً من ماء وضربتك به أكان يوجِعُك؟ قال: لا، فقال: ولو أخذت كفاً من تراب وضربتك به أكان يوجعُك؟ قال: لا، فقال: ولوأخذت كفاً من تِبن فضربتك به أكان يوجعُك؟ قال: لا، فقال: فلو أخذت التراب ثم طرحت عليه التبن، وصببت فوقهما الماء ثم مزجتها مزجاً، ثم جعلت الكتلة في الشمس حتى يبست، ثم ضربتك بها أكانت توجعُك؟ قال: نعم وقد تقتلني، فقال: هكذا شأن الخمر، فهو حين جمعت أجزاؤه وخمِّر حَرُمَ.
* الدهقان: كلمة فارسية تعني رئيس الإقليم أو الناحية
