عادي
مدن تكتب التاريخ

صقلية.. حضارة الشرق والغرب

23:47 مساء
قراءة 3 دقائق
آثار إسلامية في صقلية
جامع باليرمو
جامع باليرمو

الشارقة: «الخليج»

دام الحكم الإسلامي لصقلية (الإيطالية اليوم) نحو قرنين من الزمن، وكانت بدايته حين أراد القائد المسلم موسى بن نصير السيطرة على الشمال الإفريقي كله، لكي يبسط نفوذه على الجزر القريبة، حتى يأمن هجمات البيزنطيين البحرية، فقام بإنشاء مصنع للسفن الحربية عام 84 هجرية، وصنع 100 مركب حربي، فصارت تونس مركزاً بحرياً استراتيجياً للأساطيل الإسلامية.

كان ابن نصير يريد أن يكون سيد البحر بلا منازع في الشمال الإفريقي، وفي عام 85 هجرية أرسل الأسطول الإسلامي، بقيادة ابنه عبدالله بن موسى بن نصير لمهاجمة قواعد الروم البحرية، في الجزر القريبة من المناطق الإسلامية في الشمال الإفريقي، فاحتل الأسطول الإسلامي جزيرتي مانوركا ومايوركا القريبتين من سواحل إسبانيا، ثم قام بغزو جزيرة صقلية، وحقق نصراً حاسماً، ليكون ذلك أول فتح للجزر في البحر المتوسط، ثم جاءت بعد ذلك المرحلة الثانية من الفتح، والتي يؤرخ لها ب212 هجرية، ويبرز فيها اسم أمير الجيش والأسطول أسد بن الفرات الذي قاد جيشاً كبيراً، وتمكن بعد ذلك من فتح صقلية، حيث استقر المسلمون في هذه الجزيرة، واتخذوا مدينة باليرمو عاصمة لهم.

  • تجليات

لقد شيد المسلمون في صقلية حضارة ما زالت آثارها موجودة، ففي كتاب بعنوان «تجليات فنون العمارة الإسلامية بجزيرة صقلية»، للباحثة التونسية وجيدة الصكوحي، تكشف الباحثة عن الكثير من المباني الأثرية في صقلية، حيث يتعرف القارئ إلى الأساليب والأنماط الزخرفية المنبثقة من الحضارة العربية، وتحديداً تجليات فنون العمارة الإسلامية في هذه العمائر، إضافة إلى مقارباتها بين خصائص العمارة العربية الفاطمية في البلدان العربية، وتلك التي وجدت في أوروبا.

كما توجد الكثير من المصادر التاريخية التي تفيد بمعلومات كثيرة عن صقلية، ومنها: كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» لمحمد بن عبد الله الإدريسي (1099 – 1165)، الذي يعثر فيه القارئ على وصف ل«باليرمو» عام 1138 ميلادية، وهناك كتاب «رحلة بن جبير» للجغرافي والرحالة والشاعر أبي الحسن محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي (1145 – 1217)، والذي يصف فيه مدينة باليرمو بقوله: «هي بهذه الجزائر أم الحضارة، والجامعة بين الحسنين غضارة ونضارة.. تتطلع بمرأى فتان، وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان، فسيحة السكك والشوارع، تروق الأبصار بحسن منظرها البارع..».

كما ذكرت صقلية في كتاب «صورة الأرض» والمعروف كذلك باسم «المسالك والممالك والمفاوز والمهالك» لمحمد بن حوقل (943 – 969)، الذي يقول فيه: «وبصقلية من المساجد في مدينة بَليرمُ، والمدينة المعروفة بالخالصة، والحارات المحيطة بها من وراء سوريهما... نيف وثلاثمائة مسجد، يتواطأ أهل الخبرة منهم في علمها ويتساوون في معرفتها وعددها».

تفيدنا كتب التاريخ بكثير من هذا الاتصال المشرقي والمغربي في صقلية، حيث عاش في صقلية الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية ممن برعوا في شتى العلوم، فكان منهم الأدباء والشعراء والأطباء، الذين تأثر بهم النورمان (نسبة إلى النورمانديين: القبائل الأوروبية الغازية ذات الأصول الاسكندنافية)، والذين كانت نهاية حكم العرب والمسلمين في صقلية على يد أحد ملوكهم، ويدعى روجر الثاني، ومنهم الشاعر عبد الرحمن بن محمد بن عمر، من مدينة «بثيرة» بصقلية، الذي عاش أيام «روجر الأول» ومدحه، وقد أعجب روجر بأشعاره واستهوته مدائحه، وعاش في صقلية الفقيه والشاعر أبو موسى عيسى عبد المنعم الصقلي، ومؤسس الجغرافيا الحديثة الإدريسي وهو أحد الأسماء المهمة في تطور الحركة العلمية في صقلية النورمانية، وهناك محمد بن علي المازري، وأصله من «مازرة» بصقلية، ويعرف بكونه أحد الأعلام المشار إليهم في حفظ الحديث والكلام، وتتوالى القائمة لتشمل «ابن القطاع»، وهو أبو القاسم علي بن جعفر السعدي، صاحب كتاب «الدرة الخطيرة والمختار من شعراء الجزيرة» وغيرهم الكثير.

  • معالم

قام المسلمون بنشر اللغة العربية في باليرمو، وهناك الكثير من المواقع والأماكن التي سميت بأسماء عربية وبقيت حتى يومنا هذا، كما أضحت باليرمو/ صقلية رمزاً للكثير من المعالم والآثار الإسلامية، التي كان لها دور كبير في تأثر العمارة البيزنطية بالعمارة الإسلامية، حتى بعد رحيل المسلمين بعشرات السنين، ومن هذه المعالم «بالاتسو دي نورماني» (أي قصر القبة)، الذي اتخذه الملك ويليام الثاني مقراً له، وتبرز ملامح تأثر القصر بالعمارة الإسلامية من خلال المقرنصات والقباب والكتابات العربية، ومنها أيضاً «كنيسة كابالا بلادينا»، و«قصر العزيزة» الذي يشاهد من يدخل إليه العمارة البيزنطية مدمجة مع العمارة الإسلامية، على نحو يغطي كافة رده هذا القصر وجدرانه وتفصيلاته الداخلية والخارجية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3x84k4mj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"