كوريا الـشماليـة والنظام النووي العالمي

سلوك استراتيجي يخرق الأعراف الدولية
23:13 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 5 دقائق
1
الزعيم الكوري الشمالي يتفحص صاروحاً نووياً

عن المؤلف

الصورة
1
إدوارد هاول
إدوارد هاول محاضر في السياسة في جامعة أكسفورد.

«السياسة العدائية» الأمريكية تظل  مبرراً أساسياً للنظام في بيونغ يانغ

بالنظر إلى سمعتها العالمية كدولة تخرق المعايير الدولية، خصوصاً بإصرارها المستمر على تطوير الأسلحة النووية، يبدو تحول كوريا الشمالية نحو التسلح النووي أمراً محيراً، لما تخلّفه من تحديات تتعلق بالأمن وعدمه، بالإضافة إلى تكاليف أخرى تتحملها الدول.
فكيف يمكن فهم هذا السعي والسلوك المنحرف الناجم عنه؟

في كتابه «كوريا الشمالية والنظام النووي العالمي»، يقدم إدوارد هاول إجابات معمقة على السؤال المطروح أعلاه، مركزاً على جهود كوريا الشمالية لكسب مكانة متميزة ضمن النظام الدولي وتطوير مفهوم «الجنوح الاستراتيجي». يغطي الكتاب الفترة الزمنية من التسعينات حتى الوقت الحاضر، ويستخدم أدلة تجريبية وافرة بشكل غير مسبوق، ويقدم حجة مفادها أن كوريا الشمالية اعتمدت سلوكاً استراتيجياً يخرق الأعراف الدولية لتحقيق مكاسب محددة. ويستعرض كيف تعلمت كوريا الشمالية عبر الزمن أن السلوكيات السيئة، رغم الازدراء والمكانة المتدنية التي قد تنجم عنها، يمكن أن تؤدي إلى نتائج مؤثرة.
كيف تنظر كوريا الشمالية إلى العالم؟
يشير المؤلف في هذا الكتاب الصادر عن جامعة أكسفورد في 2024، إلى أنه «قبل أن نفهم سلوك كوريا الشمالية فيما يتعلق بالنظام الدولي والنظام النووي العالمي، فمن الأهمية بمكان أن نفهم وجهة نظر كوريا الشمالية للعالم». يستكشف الفصل الأول نظرة كوريا الشمالية إلى العلاقات الدولية منذ إنشاء النظام في عام 1948. ويناقش كيف تأثرت رؤية كوريا الشمالية للعالم في المقام الأول بجانبين: أولاً، إرث الاستعمار الياباني قبل الحرب، وهو أمر أساسي في تشكيل هوية الدولة؛ وثانياً، استدلال بيونغ يانغ بـ«السياسة العدائية» الأمريكية التي وضعت نفسها فيها -أيديولوجياً وسياسياً- في مواجهة الولايات المتحدة بعد تقسيم شبه الجزيرة بعد الحرب العالمية الثانية. خلال حقبة الحرب الباردة المبكرة، ظلت طموحات كوريا الشمالية فيما يتعلق بالنظام الدولي متأثرة بشدة باستيائها من النظام الدولي الليبرالي في مرحلة ما بعد الحرب الذي أنشأته الولايات المتحدة وأسسته؛ ونجاحها الاقتصادي الأوّلي المبكر بعد نهاية الحرب الكورية مقارنة بنظيرتها الجنوبية؛ وشراكاتها مع رعاتها في الحرب الباردة، الصين والاتحاد السوفييتي؛ والرغبة في تعزيز مكانتها كدولة جديدة آنذاك. وتزايدت هذه الرغبة في أعقاب التجربة النووية التي أجرتها الصين في عام 1964، وتوطيد النظام النووي بتأسيس معاهدة منع الانتشار النووي، والطموحات النووية لكوريا الجنوبية في سبعينات القرن العشرين، والتوجه السوفييتي والصيني نحو سيؤول في نهاية الحرب الباردة. وكما يؤكد هذا الفصل، تظل «السياسة العدائية» الأمريكية مبرراً أساسياً ودائماً للنظام لسلوكه المنحرف في معارضة النظام النووي العالمي.
يستعرض الفصل الثاني إطار «الانحراف الاستراتيجي» لفهم سلوك كوريا الشمالية، مشيراً إلى كيف يمكن أن ينتج عن السلوك المخالف للمعايير نتائج مفيدة على الرغم من التكاليف الأوّلية وخفض المكانة. يصنف الفصل سلوك كوريا الشمالية المنحرف ضمن انتهاك القواعد، الخداع، والاستفزاز، مع تحديد الفوائد المادية والاجتماعية المحتملة مثل الردع والمنافع الاقتصادية، والاعتراف الدولي كجهة فاعلة مستقلة ومهمة. يناقش الفصل أيضاً تفسيرات بديلة للسلوك النووي لكوريا الشمالية، مثل الردع والشرعية المحلية، موضحاً أن هذه التفسيرات يجب أن تُفهم على أنها مكملة لا معارضة للتفسير المرتكز على المكانة. يتبع ذلك تطبيق إطار الانحراف الاستراتيجي في فصول لاحقة على أربع فترات زمنية رئيسية تخص كوريا الشمالية، تغطي الأزمات النووية وسلوكها خلال إدارات مختلفة، بما في ذلك إدارتي أوباما وترامب، مع التركيز على الانحرافات والتكاليف والفوائد المترتبة عليها.
يوضح الفصل الثالث أن كوريا الشمالية أظهرت ميلاً للانحراف قبل انضمامها إلى معاهدة حظر الانتشار النووي في 1985، وواصلت بعد ذلك انتهاك القواعد حتى وهي تسعى لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. تجلّى هذا السلوك بوضوح خلال «الأزمة النووية الأولى» التي انتهت بالتوقيع على إطار العمل المتفق عليه مع الولايات المتحدة في أكتوبر(تشرين الأول) 1994، حيث تعلمت كوريا الديمقراطية أن الاستفزاز يمكن أن يفضي إلى المفاوضات. يتابع الفصل الرابع تطورات «الأزمة النووية الثانية» من 2002 إلى 2009، حيث أدت سياسات إدارة بوش الابن المتشددة إلى تفاقم الموقف. خلال هذه الفترة، كانت بيونغ يانغ تسعى لتحقيق هدفين متضاربين: تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وتسريع تطوير برنامجها النووي، ما أدى إلى انسحابها من معاهدة الانتشار النووي في 2003. كما أن المحادثات السداسية التي أُقيمت لإعادة كوريا الشمالية إلى الامتثال لالتزاماتها النووية فشلت، ما دفعها إلى مواصلة الحوار الثنائي مع الولايات المتحدة. خلال هذه الأزمة، أجرت كوريا الشمالية تجربتين نوويتين في 2006 و2009، بعد الانسحاب من المحادثات السداسية.
واشنطن وكوريا الشمالية
يعرض الفصل الخامس تطبيق إطار الانحراف الاستراتيجي خلال إدارة أوباما، مشيراً إلى أن سياسة «الصبر الاستراتيجي» التي اعتمدها كحل وسط بين الإشراك والاحتواء لم تؤدِ إلى تحقيق نتائج مفيدة بالمستوى المتوقع. خلال هذه الفترة، شهدت كوريا الشمالية تغيرات بيئية خارجية ملحوظة واستمرت في تطوير برنامجها النووي كاستراتيجية للتقدم، خاصة بعد تحول الإدارة في كوريا الجنوبية نحو موقف أكثر تحفظاً وتزايد العقوبات الأحادية والمتعددة الأطراف. ويرى المؤلف أن بيونغ يانغ، بقيادة كيم جونغ أون تواصل منذ 2011، تعزيز مكانتها كدولة نووية، حيث إن النقص في المكافآت الدولية زاد من جنوحها.
يبحث الفصل السادس في سلوك كوريا الشمالية خلال فترة إدارة ترامب ونهج مون جاي إن (الرئيس السابق لكوريا الجنوبية من عام 2017 إلى 2022) المؤيد للمشاركة في سيؤول. بين عامي 2017 و2019، شهدت العلاقات تحولات كبيرة، بدءاً من تصعيد الخطاب الذي أثار مخاوف من حرب نووية إثر إطلاق كوريا الشمالية لثلاثة صواريخ باليستية عابرة للقارات في 2017. تبع ذلك قمم تاريخية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وبين الكوريتين في 2018 وتواصل مباشر بين ترامب وكيم جونغ أون (رئيس كوريا الشمالية). ومع ذلك، تدهورت العلاقات مجدداً بحلول نهاية 2019. خلال هذه الفترة، أعلنت كوريا الشمالية في 2018 عن استكمال برنامجها النووي، مما عزز وضعها النووي. على الرغم من فوائد القمم، كان هدف كوريا الشمالية الرئيس تخفيف العقوبات الأمريكية، وعند فشل القمم في تحقيق ذلك، توقفت المحادثات واستمرت كوريا الشمالية في تعزيز برنامجها النووي.
يقدم الفصل الختامي تلخيصاً للنتائج النظرية والتجريبية للكتاب، مسلطاً الضوء على اللغز حول سبب استمرار كوريا الشمالية في سلوكها المنحرف رغم رغبتها في الحصول على اعتراف ومكانة دوليين أكبر. يطرح الفصل أن إطار الانحراف الاستراتيجي قد يفسر سلوك دول «مارقة» أخرى تخرق قواعد النظام النووي. 
ينتهي الكتاب بخاتمة عن تطورات سلوك كوريا الشمالية الأخيرة في ظل تداعيات جائحة كورونا، وانتخاب جو بايدن ويون سوك يول (رئيس كوريا الجنوبية)، مؤكدة أن مشكلة كوريا الشمالية لا تقتصر فقط على طموحاتها النووية، وتنوّه بأن تغيير سلوك كوريا الشمالية يعتمد على تقدم واشنطن خطوات بناءة تجاهها.

الصورة
1


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/mwa86hch

كتب مشابهة

1
بول هانزبري
1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
آنو برادفورد

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز
1
أنجيلا بورن
1
كجيل أوستبيرج
تغير المناخ يزيد من الهجرات في العالم
درو بيندرجراس وتروي فيتيس
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل