موقف مسؤول وحكيم

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

موقف مسؤول ذاك الذي اتخذته دول خليجية، الإمارات والسعودية والبحرين، إضافة إلى دول عربية أخرى بينها الأردن والعراق وليبيا، بعدم التوقيع على البيان الختامي الصادر عمّا وصفت ب«القمة الدولية بشأن السلام في أوكرانيا»، التي استضافتها سويسرا؛ إدراكاً من هذه الدول أن ما جاء في البيان يستحيل تحقيقه، فضلاً عن أن أحد طرفي الحرب، وهو روسيا، غُيّب عن المؤتمر بقرار مسبق، فكيف لقمّة تريد أن تحقق السلام تكتفي بحضور أوكرانيا وتبعد روسيا، بما تمثله من وزنٍ دولي لا يصحّ تجاهله في بحث تسوية أي نزاع آخر له أبعاد دولية، فكيف بالنزاع الجاري في أوكرانيا؟

ليست الدول الخليجية والعربية، التي ذكرناها أعلاه وحدها من لم يوقع على البيان، مثلها فعلت دول أخرى وازنة، لها مكانتها المؤثرة في خريطة الوضع الدولي الراهنة، سياسياً واقتصادياً، بينها الهند، جنوب إفريقيا، البرازيل، إندونيسيا، المكسيك، وحتى الفاتيكان بما لها من مكانة روحية في العالم عامة، والعالم الغربي خاصة، فيما اختارت الصين، القوة الدولية الكبرى عدم حضور القمة؛ لقناعتها بعدم جدواها مع تغييب روسيا عنها.

هذه القمة التي مجّدت كييف قراراتها، تعكس تخبط الدول الغربية وافتقادها للبوصلة في التعاطي الواقعي مع النزاع في أوكرانيا، الذي لن يمكن معالجته وفق نظرية «ليّ ذراع روسيا»، واستنزافها في حرب طويلة الأمد، قد تكون مرهقة لروسيا، ولكنها ستكون مرهقة بدرجات مضاعفة للدول الغربية الداعمة لكييف، وأظهرت موسكو حتى الآن قدرتها على التعايش مع تدابير الغرب العقابية، ودعمه متعدد الوجه لكييف.

الدول الخليجية التي اختارت عدم التوقيع على البيان الختامي للقمة تنطلق من موقفها الذي حرصت على أن يكون محايداً من النزاع الروسي – الأوكراني، ومنسجماً مع الجهود التي بذلتها وما زالت وستستمر في تأمين حل سلمي لهذا النزاع مبنيّ على أسس واقعية، في سياق ما أظهرته وتظهره دبلوماسية هذه الدول ليس في العلاقة مع هذا النزاع فحسب، وإنما مع التوازنات الدولية الجديدة، والتعاطي الحكيم مع الخريطة الدولية الناشئة، التي أنهت احتكار الغرب، والولايات المتحدة تحديداً، لمركزية القرار الدولي، وموقف مثل هذا يُعزز من المكانة الدولية لبلدان المنطقة، ويمنحها قدراً متزايداً من الاستقلالية والحياد، بما ينسجم ومصالح بلداننا وشعوبنا.

السؤال الكبير المطروح اليوم، بعد انتهاء القمة، والذي يؤكد صواب موقف من لم يوقعوا على بيانها الختامي هو: «ماذا بعد؟. حسناً! لقد أصدرتم البيان لكن كيف يمكن أن تطبقوا ما جاء فيه؟»

لعلّنا نتلمس بعض الجواب فيما قاله رئيس قسم الأمن الدولي في وزارة الخارجية السويسرية، من أن أي مؤتمر قادم حول النزاع في أوكرانيا سيكون بمشاركة روسيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4d3kczfa

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"