خواطر في ظروف حرجة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في سؤال قد يلوح لك رِجْلاً في السذاجة وأخرى في الجنون؟ لكن، تريّث: هل الحرب ثقافة؟ طارح السؤال لا يتصوّر الوغى على هيئة قصيدة، لوحة تشكيلية، مسرحية غنائية... لكن، يجب التروّي، وإلاّ فكيف قال ابن شدّاد: «ووددت تقبيل السيوف لأنها.. لمعت كبارق ثغرك المتبسّمِ»؟ عند المتنبّي أيضاً بسمة في الهيجاء: «تمرُّ بك الأبطال كَلْمى هزيمةً.. ووجهك وضّاحٌ وثغرك باسمُ»، (جريحةً مهزومة).

قبل نهاية العمود سنتبيّن سبب طرح السؤال، وما إذا كان استفهاماً إنكاريّاً. في الجاهلية كانت الحرب ثقافةً. وكذلك كانت في كل المجتمعات والشعوب والأمم والحضارات. لغتنا عجيبة في كثرة مرادفات السيف، مهما يكن التحليل والتعليل. مرادفات الأسد وجه آخر لهذه الظاهرة، لكن الأسماء هي في جلّها صفات: هاشم، حطّام، فراس، ثم: فارس، شجاع. الحرب نجدها منتشرةً في كل شرايين ميراثنا الشعري، الفخر، الوصف، الرثاء، الغزل... أمّا عن العصور الإسلامية، فمكتبة لها أجنحة.

الملاحم تقاس على ذلك. من إلياذة هوميروس إلى شهنامة الفردوسي. هي تاريخ الحروب حين تسطره يراع الخيال والأساطير، فينصهر الفن الأدبي في الميثولوجيا، ويمتزج الواقعي والافتراضي. لكن التاريخ فيه أحداث ووقائع دبّجتها الزخارف ورصّعتها التنميقات. الفيلسوف البريطاني برتراند راسل يروي أن حادثةً وقعت في حيّه قبل أيام، رويت له بطرائق شتى، فيسأل: «ما بالك بما جرى قبل ألفي عام». نزار قبّاني يحب الإنصاف بالأنصاف: «لا وقت لدينا للتاريخ، فنصف حوادثه تزوير». يبدو أن شاعرنا القديم كان على نيّاته: «ومَن حوى التاريخ في صدرهِ.. أضاف أعماراً إلى عمْرهِ». قد يجرؤ البعض على استنباط نظرية كالقول: «إن التاريخ تدوين سلسلة أحداث مأساوية، لا يعرف أحد مدى صحّتها». تأمّل الوقائع منذ آخر القرن العشرين، لقد زيّف الأقوياء التاريخ جهاراً، وظلّت الحقيقة في فمها ماء.

هل الحرب ثقافة؟ السؤال استفهام «استنكاري»، تنديدي، شجبي. علماء البيولوجيا يرون أن تاريخ الصراع يعود إلى السلسلة الأولى لأوّل حمض نووي، قبل نشأة الخلية الأولى على الأرض، قبل 3.5 مليار سنة. في العصر الحديث حدث ما يشبه الغفوة الرقيمية، أصاب الثقافة الاستراتيجية في العالم العربي تخدير لحس الدفاع العربي المشترك. في الحقيقة، ما أثار السؤال هو أن خمسة أسداس العالم تتحدث ليل نهار عن الحرب، من المعارك المحدودة إلى النوويّة. المفارقة العجيبة هي أن الصراعات الدولية تزعجنا باستمرار بأن المضارب العربية هي المعنيّة.

لزوم ما يلزم: النتيجة التوازنية: يقول المثل اللاتيني: «إذا أردت السلام فاستعدّ للحرب»، لكن القرآن سبقه: «وأعدّوا». كن قويّاً، لا عدوانياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2n9pxjsf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"