متطلبات الحياة متواصلة ومستمرة، وتشكل ضغوطاً متزايدة، مع السعي الدائم لتلبيتها، وهي متنوعة بين متطلبات معيشية ومعرفية واجتماعية، وغيرها، وهي متطلبات متشابكة ومترابطة، فالمتطلبات المعيشية تحتاج إلى المعرفة والعلم، والشهادات والمهارات، للحصول على وظائف ذات مردود مادي مناسب، يمكننا من الصرف على المتطلبات الحياتية التي نحتاجها. في خضم مثل تلك المتطلبات، والسعي الحثيث لتحقيقها، قد ينسى البعض الاهتمام بالنفس، وهو ما قد ينتج عنه توتر وقلق، أو فقدان السلام الداخلي، إذا صح التعبير.
كثيرة هي الدراسات والبحوث التي تناولت أهمية العناية بالنفس ورعايتها، وأثر التعاطف مع الذات على الثقة والرضا وتعزيز الصحة والسلام الداخلي، من بين تلك الدراسات، دراسة نُشرت في مجلة «Journal of Personality and Social Psychology» في عام 2021 وجدت أن الأفراد الذين لديهم مزيد من التقبل والرأفة، تجاه أنفسهم كانوا أكثر سعادة وتفاؤلاً وأقل عرضة للاكتئاب والقلق. كما أظهروا مستويات أعلى من الشعور بالرضا عن الحياة بشكل عام. هذه الدراسة شملت عينة كبيرة من البالغين في الولايات المتحدة (أكثر من 2000 شخص) وهدفت إلى فحص العلاقة بين التقبل الذاتي والرفاهية النفسية.
نحتاج للتصالح مع الذات للوصول إلى السعادة، التي لن تتحقق إلا من خلال الاستقرار النفسي. وهذا يتطلب عدة جوانب، منها التركيز على تطوير النفس بدلاً من محاولة التقليد، أو تكرار طريقة الآخرين، وعدم التقليد أو تكرار تجارب الآخرين، لأن كل واحد منا له مواهبه وإمكانياته واهتماماته ومعها تصبح هناك حاجة ملحة وضرورية للاكتشاف والاستثمار، وتوظيفها بشكل مفيد في حياتنا. وبطبيعة الحال، هذه ليست بالمهمة السهلة، ولكن بالصبر والعمل الجاد يمكن بناء قدرات تقودنا نحو الوصول إلى تحقيق الذات. وهذا يعني أن علينا تجنب مراقبة الآخرين، أو محاولة تقليدهم، والحقيقة أن تقليد الناس أو تتبع طرقهم وتقليدها، أمر لا يجلب أي فائدة، بل على العكس قد يؤدي إلى الإحباط وزيادة التوتر. وبدلاً من التقليد نتوجه نحو تطوير معرفتنا وتعلم مدى قدراتنا، وهذا يساعد في زيادة الثقة بالنفس، وتوسيع الآفاق والثقافة، وهو ما يعني النمو الشخصي الذاتي. ومن أهم متطلبات القدرة الذاتية وتنميتها، الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية، وتقوية الشعور بالسلام الداخلي، وتنمية المعارف والقدرات على مواجهة تحديات الحياة بثقة وإيجابية. هذه جميعها تجعل عملية التصالح مع الذات واضحة وهي الطريق الذي يقودنا نحو السعادة والاستقرار.
