كوكب ليس لنا

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

«نعمة ثقافية» تلك المتاحة للقارئ المتعدد الاهتمامات البحثية أو التخصصية أو الأدبية بشكل عام من خلال مشروع «كلمة» للترجمة في أبوظبي، مشروع الألف كتاب، وربما جرى تجاوز هذا الرقم خلال العامين الماضيين في إطار خطة ترجمانية رفيعة المستويين الفني والنشري، بحيث أصبحت إصدارات «كلمة» علامة ثقافية متميزة في سوق النشر العربية.

أوجد «كلمة» للترجمة والنشر حالة قرائية بالغة الأهمية، أسمّيها التعددية القرائية، بمعنى أن قارئ الأدب، على سبيل المثال، أصبح قارئاً في التاريخ، وقارئ الفنون والجماليات أصبح قارئاً في الأسطورة والأديان، وقارئ النقد والفكر والفلسفة أصبح قارئاً شغوفاً بموضوعات في العلوم مثل علم الفلك والنبات والحشرات.

قرأت بذلك الشغف «كوكب الحشرات» لعالم الحشرات الأمريكي سكوت ريتشارد ميتشغان، ترجمة: ابتسام بن خضراء. وكاتب هذه السطور في الأساس قارئ رواية وشعر وتاريخ وفلسفة كأولويات معرفية تخدم الاهتمام الثقافي، غير أنني وجدت نفسي قارئ علوم نباتية وحيوانية إلى جانب نموّ ذلك الشغف بقراءة التاريخ الطبيعي والثقافي لحيوانات لم تكن في دائرة الاهتمام المعرفي إطلاقاً، مثل النملة، والنحلة، والحصان.

عرفت، على سبيل المثال، أن هذه الحشرة الحقيرة الطيّارة والتي تدخل بيتك باقتحام فضولي مزعج، أي البعوضة، تنقل أكثر من ٢٠٠ نوع من الأمراض التي يحملها الدم، وأن لأجنحة بعض الحشرات ألواح شمسية تماماً مثل تلك المنصوبة على سقف بيتك، وتوفر لك كهرباء بشكل شبه مجاني، وعرفت أن دودة القز ليست هي وحدها من تصنع لنا الحرير، بل هناك الكثير من الحشرات المنتجة لهذه المادة القماشية الثمينة.

الجميل في مثل هذه الكتب التخصصية والعلمية أن فيها العديد من الصور الشعرية، بحيث يعتقد المرء أن الشعر ليس في اللغة فقط، بل يمكن العثور على هذا الفن الجمالي الرفيع في خلايا النحل، وفي أجنحة الطيور، وفي قرى النمل، وفي تاريخ الديناصور، لا بل إن العنف والإرهاب وثقافة التهديد والابتزاز والاحتلال والرغبة المجنونة في احتكار الأرض والغذاء والماء هي أيضاً موجودة في عالم الحشرات التي يبلغ طول بعضها مجرد مليمترات، ومع ذلك، هي أخطر من رجل طويل عريض المنكبين، قد يكون لصاً أو مستبداً أو طاغية.

الطغيان أيضاً موجود عند حشرات متناهية في الصغر، ربما رآها الإنسان بالمجهر ودرسها جيداً، ومن ثم تعلم منها غريزة القتل، على سبيل المثال، ذلك أن الكثير من مثل هذه الغرائز استعارها الإنسان، وقلّدها، وحاكاها في هذا الكوكب الأرضي الذي سمّاه ريتشارد ميتشغان كوكب الحشرات، وأيضاً الذئاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc76s2nn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"