حرب تجارية أم مصالح سياسية؟

21:53 مساء
قراءة 3 دقائق

سوميش شيواكوتي*
جلبت تعريفات ترامب الجمركية معها ضرراً أكثر من نفعها حتى بالنسبة للأمريكيين أنفسهم، ومن غير المرجح تصحيح المسار في عام الانتخابات الأمريكي.

ففي مايو/أيار، أعلنت إدارة بايدن عن خطط لرفع التعريفات الجمركية على المنتجات الصينية، بما في ذلك أشباه الموصلات والخلايا الشمسية والمركبات الكهربائية. جاء ذلك بعد أن تحدث الرئيس الأمريكي الحالي إلى أعضاء نقابة عمال الصلب المتحدة في مقرهم في بيتسبرغ، قائلاً، إنه سيفكر في مضاعفة معدلات التعريفات الجمركية على كل من واردات الصلب والألمنيوم من الصين.

في المقابل، تعهد الرئيس السابق دونالد ترامب بفرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10% على الواردات التي يزعم أنها ستجمع مليارات الدولارات من العائدات لدفع المزيد من التخفيضات الضريبية، فيما لو أعيد انتخابه في الاستحقاق المقبل.

وعلى الرغم من أن التعريفات الجمركية تدعم صناعات وفئات محددة، إلا أنها غالباً ما تعاقب صناعات محلية أخرى، وتشوه الاقتصاد العالمي، وتؤدي إلى التضخم وزيادة التكاليف للمستهلكين. ويبقى السؤال المطروح هنا، لماذا يروج زعماء الحزبين للرسوم الجمركية والحمائية تلك؟

يحاول بايدن إيجاد السبل لتصحيح جاذبيته لدى الناخبين الذين تضرر الكثير منهم بسبب التضخم، وباتوا غير قادرين على سداد جميع فواتيرهم الشهرية. وبإعلان نفسه «الرئيس الأكثر تأييداً للنقابات في تاريخ أمريكا»، يريد من الناخبين، وخاصة أولئك في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، أن يصدقوا أن رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية من شأنه أن يعيد الوظائف الصناعية إلى الداخل الأمريكي.

وقد أكدت الممثلة التجارية الأمريكية للرئيس الحالي، كاثرين تاي، أن تخفيف أو إلغاء الرسوم الجمركية على واردات الصين من شأنه أن ينفر حلفاءه من النقابات العمالية، ويعزز رواية الحزب الجمهوري بأن بايدن متساهل مع بكين.

في المقابل، وجد تقرير صادر عن مكتب الممثل التجاري الأمريكي في مايو، أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على المنتجات الصينية أدت إلى خفض الدخول الحقيقية للأمريكيين وانحسار الاستثمار، كما لم تزد من فرص العمل في قطاع التصنيع. وعلى نحو مماثل، أكدت دراسة حديثة للرسوم الجمركية ذاتها من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن تلك الرسوم كانت أفضل ل «الدعاية الانتخابية» منها «اقتصادياً».

وفي الوقت نفسه، كانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب الصيني بمثابة كارثة بالنسبة للمستهلكين والصناعات الأخرى، حيث أدت إلى رفع تكلفة منتجات الصلب بالنسبة للمستهلكين الرئيسيين، مثل شركات صناعة السيارات الأمريكية «جنرال موتورز» و«فورد»، ما تسبب في تكبيد كل منهما ما لا يقل عن مليار دولار في أسعار الصلب المرتفعة وإجبارهما على إغلاق المصانع.

وتشير التقديرات إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألمنيوم الصينيين أسفرت عن فقدان 75 ألف وظيفة على الأقل في الصناعات التي تستخدم المعادن في الولايات المتحدة. كما أدت الحرب التجارية بين البلدين إلى خسارة 175 ألف وظيفة تصنيع أمريكية بحلول منتصف عام 2019.

وأوضحت «أوكسفورد إيكونوميكس» أن الرسوم الجمركية الناجمة عن حرب ترامب التجارية مع الصين كبّدت الاقتصاد 245 ألف وظيفة، و100 مليار دولار من النزيف في الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2018 و2019.

لقد شوهت الرسوم الجمركية الاقتصاد العالمي، وتسببت في عدم كفاءة السوق، وخلق ما يسميه خبراء الاقتصاد «خسارة الوزن الميت». ويسلط تقرير حديث صادر عن «ستاندرد آند بورز غلوبال» الضوء على أنه إذا ظلت الرسوم الجمركية قائمة، فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستستمر في إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد العالمي، حيث ستكون الخسائر في الناتج الاقتصادي دائمة، كما ستمنع إشارات الأسعار المشوهة التخصص الذي يزيد الإنتاجية العالمية.

لقد أدت حرب التعريفات الجمركية الجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تدهور حال العديد من القطاعات والأفراد، في حين لم يستفد منها سوى قِلة مختارة. وعلى الرغم من هذا، فإن مواقف المرشحين الرئاسيين ستمنع أي نقاش هذا العام بين الحمائية والتجارة الحرة. وستحاول حملة بايدن تسليط الضوء على التباين بين التعريفات الجمركية العالمية العشوائية التي اقترحها الرئيس السابق، وتلك الأكثر استراتيجية واستهدافاً التي سنّها خليفته.

لكن بدلاً من تبني سياسات حمائية تسعى لتحقيق مصالح ضيقة على حساب المستهلكين الأمريكيين والعالميين، ينبغي لبايدن وترامب، أو أي شخص يدخل البيت الأبيض، إعطاء الأولوية لصحة الاقتصاد العالمي، واقتراح استئناف المحادثات التجارية مع الصين وإيجاد سيناريوهات مربحة للجميع.

يبدو وأن تصحيح المسار في اتفاقيات التجارة العالمية، وسط انتخابات رئاسية أمريكية ساخنة، أمر غير وارد سياسياً. ومع ذلك، على واشنطن وبكين البدء في حوارات جادة تناقش القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل مكافحة تجارة المخدرات، والمخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد.

*محلل سياسي وزميل في مبادرة كلينتون العالمية لعام 2023 «صحيفة جنوب الصين الصباحية»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yfn32bn4

عن الكاتب

محلل سياسي وزميل في مبادرة كلينتون العالمية لعام 2023 «صحيفة جنوب الصين الصباحية»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"