عادي
صدر في الشارقة

«رخصة للحلم» السرد زادنا في طريق الأمل

23:37 مساء
قراءة 5 دقائق
كريس غاردنر - رخصة للحلم

الشارقة: علاء الدين محمود

لن تتحقق الأحلام الكبيرة إلا إذا كان وراءها سعي أكيد، وبعض القصص التي تتحدث عن الطموح والإرادة والرغبة في تحقيق الآمال تكون ملهمة جداً، فهي من النوع الذي يشد القراء في هذا العصر الذي يبحث فيه الجميع عن السعادة. كتاب «رخصة للحلم»، للمؤلف الأمريكي كريس غاردنر، الذي صدر في نسخته العربية عن دار روايات، بترجمة: فهد الطاسان، هو من نوعية تلك المؤلفات التي تحمل قصة كفاح مرير في هذه الحياة، وتوضح كيف أن بطل الحكاية عاش في بؤس وفقر مدقع، لكنه كان يحمل في دواخله أحلاماً كبيرة، فلم يتسرب إليه اليأس رغم ظلام الواقع، فكان أن عمل بجد واجتهاد وطموح كبير من أجل تحقيق أحلامه رغم المعوّقات الكثيرة التي كانت تعترض سبيله.

الرواية عبارة عن حوارية طويلة بين الجد «بطل القصة»، وحفيدته، وهي وقائع تسرد قصة حياة شخصية حقيقية، وهو الأمريكي كريس غاردنر، المؤلف نفسه، والذي لملم أطرافاً من حكايته في هذا الكتاب، الذي يجمع بين السيرة الذاتية وفن التحفيز، عبر سرد يقوم على الحوار بين الرجل المثابر وحفيدته بروك، ومن خلال الإجابة عن أسئلة الحفيدة يبدأ تداعي الذكريات وحضور الأحداث وأبطال العمل السردي المميز الذي ينهض بلغة جميلة وبساطة في الحكي وتحضر المتعة والإثارة عبر المواقف المختلفة والمتباينة التي تظهر الجانب الإنساني لبطل القصة.

مغامرة

صدّرت دار النشر العمل السردي بمقطع يضع القارئ في قلب الحكاية الملهمة، ونقرأ: «يخرج الجد غاردنر مع حفيدته بروك لشراء آلة الهارمونيكا الموسيقية. يستذكر غاردنر لقاء حفيدته بالرئيس باراك أوباما وجلوسها على الكرسي الرئاسي في البيت الأبيض، حالمةً بنظراتها للعودة ثانية لتكون هي الرئيسة يوماً ما. تبدأ المغامرة في سيارة أجرة تشق طريقها فوق الجليد للوصول إلى متجر للآلات الموسيقية قابع في حي غير صالح للسكن، وتبدأ بروك بطرح الأسئلة على جدها والتي تكون إجاباتها قصصاً يستذكرها الجد من ماضيه وصعوده من الفقر إلى الغنى ونضاله لنيل حقوق الملوّنين، ويطرح خلالها آراءه حول قضايا الساعة مثل المناخ والعنف المنزلي وقوّة الفرد».

حكايات متناثرة

الرواية تعتمد في نسيجها السردي على تلك القصص المتناثرة لبطلها غاردنر ومواجهته للحياة القاسية، وهي التي تشكل قوام العمل، وعلى الرغم من فقر الرجل، قبل أن يصبح أحد أثرياء العالم، فإنه كان مشاركاً وناشطاً أيضاً في القضايا الاجتماعية التي تخص قومه من السود والملونين، فقد كانوا هم أيضاً يرزحون تحت وطأة ظروف سيئة، يعانون فيها التميز وقمع الأحلام والطموحات، لذلك فإنّ قصة الرجل هي من ضمن حكاياتهم ووقائع أيامهم، ولئن كانت الرواية قد ركزت في مستهلها على قصة صعود باراك أوباما وزوجته إلى سدة رئاسة الحكم في الولايات المتحدة، فإن ذلك الأمر يعود لأن تلك اللحظة قمة نضال الملوّنين في أمريكا بأن يتولى الحكم فيها رجل أسود، وذلك الأمر بطبيعة الحال لم يأت صدفة أو عن فراغ، بل هو نتيجة نضال مستمر ضد التفرقة والظلم ومن أجل أن يكون أصحاب البشرة السوداء والملوّنون جزءاً من النسيج الاجتماعي الأمريكي من دون تفرقة أو تمييز، لكن الرواية تمرر مثل هذه الحمولة السياسية والاجتماعية من خلال بساطة السرد واللجوء إلى سرد الحكايات المتفرعة التي أضافت قيمة جمالية كبيرة للرواية.

طموح

إن سرد قصة حفيدة غاردنر، وذهابها إلى البيت الأبيض، لم يكن عبثياً، فهو في صميم المعاني التي يحملها العمل الروائي التحفيزي، وهي ضرورة أن تعمل هذه الفتاة الصغيرة من أجل أن تحقق حلمها ولا تكتفي فقط بالخيال، وهذا بالطبع خطاب موجه، في ثنايا السرد، لكل البشر حول العالم، فلابد من أن يعمل المرء على التخلص من العقبات التي تعترض حياته، وينجز طموحاته، فالرواية تحمل قدراً كبيراً من التحريض في هذا الاتجاه، لذلك فإن الجد يبدو معجباً بحفيدته التي تقدر قيمة الوقت، وتحرص على تحقيق أحلامها.

الرواية تتناول تلك الجوانب المظلمة في حياة غاردنر، الذي ولد في ظروف سيئة في مجتمع الملونين، حيث تخلى والد الأسرة عن أفرادها والتي تضم الأم وإخوة غاردنر، لتبدأ حياة القسوة، حيث تعرض للمعاملة السيئة أثناء طفولته من المجتمع وكذلك من زوج والدته بعد انفصالها من أبيه، وفي وقت من الأوقات زجّ بأمه في السجن، وكان ذلك أمراً عادياً في تلك الأيام الحالكة، ليقضي غاردنر جزءاً من حياته في مركز استقبال القاصرين لعدم وجود من يتولى رعايته في السنوات الأولى من عمره.

وعلى الرغم من أن الكتاب يحض على ضرورة النجاح، ومواجهة الصعوبات، فإنّه يتحدث كذلك عن الأقدار التي قد تعترض سبيل المرء، وربما تحول بينه وبين أن يحقق أحلامه، لكن على الإنسان أن يتمسك بالأمل، لأن الظروف الصعبة قد تتغير في أي وقت، ما يتيح فرص النجاح، ومن المهم في هذه الحال أن لا يركن الناس إلى اليأس لأنه العدو الأول للنجاح، والإنسان المتشائم لا يستطيع أن ينجز شيئاً من طموحاته وآماله في الحياة، لذلك فإن الكتاب يحمل بين طياته كذلك تأملات ذات طابع فلسفي تجاه الحياة وتقلباتها، وكذلك في قدرة البشر على تجاوز المحن.

براعة

استطاع المؤلف ببراعة كبيرة أن يصنع قواماً سردياً مميزاً، عبر استعراض محطات من حياته الثرية، ذلك لأن الرجل يمتلك مخزوناً كبيراً من الذكريات ونجح في تحويلها إلى مادة روائية تحكي قصة كفاح هذا المؤلف المولود في ولاية لويزيانا الأمريكية عام 1954، وهو رجل أعمال، خبير أوراق مالية، محاضر في التنمية البشرية، ومؤلف، بدأ رحلة كفاحه ونجاحه منذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي حتى استطاع تأسيس شركة باسمه في مجال الأوراق المالية «غاردنر وشركاه»، ومقرها في شيكاغو، وقد ضمن كل المواقف والمحطات المهمة في كتابيه «رخصة للحلم»، و«البحث عن السعادة»، كما أن للرجل مؤلفات أخرى.

يُعد غاردنر من أصحاب القصص الملهمة، فبعد سنوات طفولته العصيبة، لدى وصوله لسن الرشد، انضم إلى السلك الطبي للبحرية الأمريكية، وكان حلمه الذي فشل في تحقيقه هو دراسة الطب، ولم ينجح في ذلك بسبب مشكلاته المادية وأجره الزهيد، وواجه أزمات متلاحقة في حياته في مطلع الثمانينيات وكان للأقدار السعيدة دورها في انتشاله من ذلك الشقاء، حيث عمل سمساراً في البورصة، وهو الأمر الذي غيّر حياته إلى الأبد.

اقتباسات

  • «نواجه خلال الحياة واقعاً صعباً، لكن الظروف قد تتغير جذرياً في لحظة».
  • «لا نملك إلا التحكم في أحلامنا وسعينا لتحقيقها».
  • «آمل أن تذكّرك هذه القصة بقوة الحلم الذي يسكن داخل كل واحد منا».
  • «لا يقدّر الواحد منا الوقت أبداً حتى يفقده».
  • «قد تحصل على المال ثم تفقده، لكن يمكنك الحصول على المزيد منه».
  • «كانت إحدى وظائفي بث الطمأنينة عبر ترديد: نحن مسيطرون على الوضع وسنكون بخير».
  • «رغم الإرهاق الذي نتعرض له في حياتنا لكن لابد من المرح».
  • «لابد من أن نخصص بعض الوقت للابتعاد عن كل شيء قدر الإمكان».
  • «يمكن أن تحصل على مفتاح أفضل أحلامك في وقت تظن أنك في مرحلة سيئة».

الناشر: دار روايات

برعاية هيئة الشارقة للكتاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2znwyn7z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"