عادي

هل أخذ المخرج مكان المؤلف في المسرح؟

23:02 مساء
قراءة 7 دقائق
1

الشارقة: جاكاتي الشيخ
ظل المسرح منذ بدايته قبل أكثر من سبعة آلاف سنة فناً جماهيرياً بالدرجة الأولى، باعتباره الفن الوحيد الذي يشكل الجمهور أحد عناصره الأساسية، بغض النظر عن اختلاف أنواعه ومستوياته الفكرية، كما ظل الكاتب صاحب الشرارة الأولى في عملية تقديم أي عرض مسرحي، من خلال نصه الذي يشكل أساس العرض وفكرته، ويرسم ملامحه ويحدد أهدافه، فيما اعتُبر المخرج المنفذ الفعلي للعرض بتجسيده للنص من خلال ما يوظفه من شخصيات وسينوغرافيا وغيرها من عناصر نجاح المسرحية.

مر المسرح بمراحل عدة، كان في معظمها يعتمد على المنتَج الإبداعي للكاتب، بالدرجة الأولى، حيث برز كتاب عالميون كبار، اشتهروا في كل أنحاء المعمورة، لما اتُّفق عليه من نجاحهم في القدرة على معالجة أهم قضايا الإنسان، على اختلاف حضاراته، وتقديمها في ثوب فني يسمح بعرضها على الجمهور والتحامها به، بحيث يجد فيها ذاته، وتصنع فرجته، وتجعله يعيش لحظات من المتعة والجمال والإفادة، فطارت أسماء أولئك الكتاب، وكانت تسبق عروضهم إلى أي مكان، ودأب الجمهور على الرغبة في متابعة تلك الأعمال، من دون أن يلقي بالاً لمن يخرجها، ومع ما شهدته البشرية من تقدم تكنولوجي شمل المجالات كلها، استفاد عالم المسرح كغيره من الفنون من ذلك التقدم، فبدأ المخرجون في استغلاله من أجل مسرح معبّر بكل ما يمكن استخدامه من الوسائل والتقنيات، وتباينت مستويات ذلك الاستغلال والتوظيف، إذ صارت تعكس القدرات الفنية للمخرجين، فينبهر الجمهور بمن يحسنون توصيل لذة العرض، وتتردد أصداء أسمائهم في كل اتجاه مغرية بحضور أعمالهم المسرحية، لتغدو أكثر انتشاراً من أسماء الكتّاب، إلا أن بعض الكتّاب حافظوا على ذلك الألق بفضل ما يقدمونه من نصوص إبداعية راقية، فاحتفظ لهم الجمهور بذلك الإعجاب، واستمر في انتظار ما يقدمونه من جديد.

ومؤخراً بات دور المخرج في المسرح الحديث محورياً، ويرى بعض المتابعين أن دور الكاتب كجاذب للجمهور قد انحسر عن مستواه الذي كان فيه سابقاً، وللوقوف على مدى وجاهة هذا الطرح استطلعنا آراء مجموعة من المسرحيين الإماراتيين، الذين خبروا الساحة المسرحية، عملاً ومتابعة ودراسة.

الصورة
  • تصور عام

يربط المسرحي محمد سعيد السلطي، المسألة بالتصور العام للعرض المسرحي، حيث يعتبر أن المخرج بمنزلة مؤلف ثان للنص، فإذا توافق تصوره مع الكاتب يبرز عمل فني متكامل العناصر، فهي توأمة من أجل تحقيق الإبداع، ويشير إلى، أن العروض المسرحية كانت تعتمد في الماضي على نصوص كتّاب عالميين مشهورين، نظراً لقلة الكتاب المبدعين حينها، ما كان يضطر المخرج للعمل عليها من أجل إخراجها بأسلوبه الخاص، إلا أن شهرة وعالمية من كتبها كانت تطغى دائما على اسم المخرج، أما الآن فصار بيننا كتاب مبدعون يُغنون عن إرث النصوص المسرحية العالمية، فمنهم من يقنع المتلقي باسمه الإبداعي الناجح، ومنهم من قد تكون فكرته مميزة، ولكن يشوب نصّه بعض الضعف، فيبذل المخرج جهداً مضاعفاً من أجل إخراجه في ثوب يتماشى مع طبيعته الجمالية، ما يجعل المتلقي مُقدِّراً لذلك الجهد الإخراجي ومتعطشاً لأي عمل آخر يقدم من طرف ذلك المخرج.

ويقول السلطي قائلاً: «توجد في الإمارات مختلف أنواع المسرح كالنخبوي والكوميدي، وغيرها، ولذلك تتباين أساليب المخرجين حسب نوع المسرح من جهة، ونوع الجمهور الموجه إليه من جهة أخرى»، ويرى أن بإمكاننا اكتشاف ذلك من خلال متابعتنا لعروض أيام الشارقة المسرحية مثلاً، حيث يُبرِز تنوع الأعمال توجهاتِ المخرجين وتمايزهم، وهو ما يعكس كذلك طبيعة وجودهم في الساحة المسرحية الإماراتية، التي ينشط فيها مخرجون متخصصون في مجال العروض الجماهيرية مثل، حسن رجب، وحسن الأنصاري، وآخرون متخصصون في العروض النخبوية والأكاديمية ويعملون في مختلف أنواع المسرح، ومن بين هؤلاء محمد العامري، إلا أن لديه خصوصية في تقديم الأعمال، إذ يشترط أن يُكتب النص من أجله ليوافقه، رغم أن هنالك كتاباً مقنعين للمخرجين وللمتلقين على حد سواء، بفضل مستوياتهم الإبداعية العالية في الكتابة المسرحية، مثل، إسماعيل عبد الله، وناجي الحاي، ومرعي الحليان، وسالم الحتاوي، وآخرين مقلين يظهرون أحياناً ويختفون طويلاً.

  • أساليب

أما المسرحي عبد الله مسعود، فيرى أن طغيان اسم المخرج على اسم الكاتب قد يحدث بسبب قلة الكتاب المهرة أحياناً، ولكن ذلك لا يستمر طويلاً، خاصة في عصرنا الحالي، وبالتحديد في دولة الإمارات، نظراً لوجود كتاب متميزين جداً ومقنعين للمتلقي، ويضيف: «عندما تسمع اسم إسماعيل عبد الله – مثلاً - ستحضر بغض النظر عن من هو المخرج، لأنه كاتب ومؤلف استثنائي»، ويشير مسعود، إلى أن المعيار في جودة العرض لم يعد في النص فقط، كما كان سابقاً، بل صار يرتكز بشكل أكبر على أسلوب الإخراج، وطريقة الطرح وكيفية معالجة الفكرة، ولذلك، فقد أصبح المتلقي يسأل بالدرجة الأولى: من هو المخرج؟ ليعرف كيف سيكون مستوى الفرجة والإمتاع والإشباع الفني، فهو لا يقتطع من وقته إلا لحضور ما يستحق ذلك بالنسبة له، ويؤكد مسعود، أن المخرج يشتغل على النص ككتابة أخرى، فنرى الإبهار بالإخراج، ويضيف: «إن الطريقة الإخراجية العصرية هي التي تبرز القدرات الفنية للمخرجين، بما توفره من مؤثرات وعناصر سينوغرافيا، تجعل المخرج يتحكم في العرض ليخرجه بأقصى ما يمتلكه من مواهب، ورغم أن النص يظل أهم ركيزة في صناعة المسرحية مهما كان نوع المسرح؛ التعبير بالجسد أو المسرح الصامت أو غيره، لكون الكتابة المسرحية هي الأساس في صناعة أي عرض، إلا أن عمل المخرج ونهجه ومدرسته هي التي تشكل الرؤية الخاصة للعرض، والطريقة التي تصل بها إلى المتلقي، فلكل مخرج أسلوبه، وتتفاوت تلك الأساليب، فهنالك مخرجون متميزون في تقديم أفكار النصوص، وقد يقفزون عليها من أجل تحقيق الغاية الإبداعية التي يسعون إليها، ومن أولئك محمد العامري، الذي يعد الآن من أهم المخرجين في الإمارات، بالإضافة إلى آخرين، مثل، حسن رجب، وناجي الحاي، ومروان عبد الله صالح الذي ظهر بأفكار إخراجية معاصرة، رغم توجهه لاحقاً إلى مجالات فنية أخرى، ربما بسبب عوامل قاهرة تحاصر الفنان أحياناً».

الصورة
  • عملية إقناع

وبدوره، يرى المسرحي إبراهيم القحومي، أن الجمهور لا يزال على عادته في اختيار العروض، حيث إننا نراه يذهب لمشاهدة ما يكتبه كتّاب معروفون بجودة قدراتهم الإبداعية، ويقول: «بالنسبة لي مثلاً إذا علمت بأن هنالك مسرحية كتبها أحد المؤلفين المبدعين، مثل، إسماعيل عبد الله أو محمد سعيد الظنحاني، فسأقرر حضورها، لإدراكي أن ذلك العمل المسرحي سيكون في مستوى الإبداع الذي أتطلع إليه، وهو ما ينطبق على المخرجين أيضاً، فإذا علمت بأن هنالك مخرجاً مُبدعاً، من الذين تقنعني أعمالهم المسرحية فسأحضر عرضه كذلك من دون تردد، لثقتي في ما سيقدمه من إبداع».

ويعمد القحومي إلى تقسيم الجمهور المسرحي إلى نوعين هما، الجمهور النخبوي والجمهور العادي، معتبراً أن الجمهور النخبوي يبحث غالباً عن العرض الذي يتكامل فيه دور الكاتب والمخرج، من خلال تقديمه من طرف اسمين بارزين في الكتابة والإخراج، أو العرض الذي يوجد فيه اسم بارز في أحد المجالين على الأقل، فإذا رأى كاتباً أو مخرجاً له صيته وبصمته الإبداعية فلن يتردد في حضور عرضه، بخلاف الجمهور العادي، الذي يبحث غالباً عن اسم بطل المسرحية أو الممثلين الذين يؤدون الأدوار فيها، أكثر من بحثه عن الكاتب أو المخرج، حيث يعتمد في تفضيله على صيت وشهرة الممثل أكثر من أي شيء آخر، كما يعتمد في مستوى آخر على كوميدية العرض أو وضوح معالجته، حتى إن الجمهور النخبوي قد يتأثر أحياناً باسم الممثل كذلك، لأن بعض الممثلين لديهم قدرات فائقة على الأداء المسرحي المقنع والجاذب للجمهور مهما كان نوعه.

  • تكامل

ويقترب المسرحي محمد بن يعروف، من رأي القحومي مُنطلِقاً من أن المتلقي في الإمارات مُتلقٍ واعٍ، يبحث من خلال المسرح عن القضية أو الفكرة التي يجد فيها نفسه، حتى وإن كانت كوميدية، لأن المسرح ابن الشارع وكلما اقترب من الناس اقتربوا منه وأقبلوا عليه.

ويعترف ابن يعروف، بأن السنوات الأخيرة شهدت بروزاً لافتاً لاسم المخرج، نظراً لدوره الحاسم والمؤثر في العمل المسرحي، ولذلك صار جلّ الكتاب ينسقون مع المخرجين بخصوص الفكرة النهائية للعرض، مشكلين ثنائياً متفاهماً على وضع الخطوط العريضة للعمل، بخلاف المألوف سابقاً، حيث كان المخرج يبحث عن النص، وغالباً ما يكون اسم الكاتب مشهوراً ليلفت انتباه المخرج إلى نصوصه، ولثقته بأنه سيجد فيه ما يرضي الجمهور، ولكن الوضع اختلف في أيامنا التي صار بإمكان المخرج فيها التواصل مع الكاتب مباشرة ليتفقوا على فكرة النص، ويشتغلوا معاً على وضع تصوره الملائم للتنفيذ، لتكون نتيجة ذلك التكامل عرضاً مسرحياً ينال إعجاب الجمهور، ورغم ذلك، فإن الساحة المسرحية الإماراتية تتميز بوجود مخرجين يشُدُّون المتلقي إلى كل أعمالهم، وعلى رأسهم محمد العامري، وحسن رجب، وعبد الرحمن الملا، ومرعي الحليان، فهؤلاء وآخرون من المميزين، هم أكثر المخرجين شعبية، بفضل أعمالهم الرائعة التي تستحوذ على قلوب الجمهور الذي يُكن لهم الكثير من الإعجاب.

  • بصمات

أما المسرحي سعيد الهرش، فيرى أن للمخرج بصمة وللكاتب بصمات، فالمخرج هو الذي يحرك كل شيء، بما في ذلك النص، وبإمكانه أن يبرز كاتباً مغموراً ليصبح معروفاً، ولذلك فإن الجهد الكبير الذي يبذله في سبيل تقديم العرض في صورته النهائية هو الذي يمنحه ذلك التقدير من طرف الجمهور، فرغم كونه لا ينجز العرض المسرحي بمفرده، بل بالكاتب والممثلين والفنيين وكل من لهم صلة بعملية تنفيذه، إلا أن رؤيته الإخراجية في توظيف كل ذلك من أجل تقديم عمل ناجح هي التي تمنحه تلك الأهمية، والتي قد تكون سلبية حين يفشل في تقديم عمله بشكل مقنع للجمهور.

ويؤكد الهرش، أن هنالك مخرجين يغري الجمهورَ وجودُ أسمائهم في العروض، نظرا لقدراتهم الإبداعية الفائقة، من بينهم محمد العامري، وحسن رجب، عبد الرحمن الملا، وإلهام مجدي، حيث يرى إنهم مؤثرون في الساحة المسرحية الإماراتية، بالإضافة إلى أسماء صاعدة لافتة، أفرزتها دورات مهرجان الطفل، يتوقع أن تسيطر على الساحة المسرحية في الدولة مع نهاية السنوات الخمس القادمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nuzh9tjc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"