كوريا واليابان تحت السندان الأمريكي

04:22 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. رضا محمد هلال *

صدرت خلال الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 العديد من التصريحات لمسؤولين سياسيين وأمنيين من واشنطن وسيؤول وطوكيو تتعلق بكُلفة إقامة القوات العسكرية الأمريكية على كل من الأراضي اليابانية والكورية الجنوبية؛ وشغلت هذه التصريحات اهتمام الإعلاميين والمتخصصين في الشأن الأمني الآسيوي.
تبنت الولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا استراتيجية شاملة؛ للمحافظة على مصالحها، ترتكز على: منع قيام دولة معادية للولايات المتحدة بالسيطرة على شرق آسيا، وضمان توفير الأمن والاستقرار لليابان وكوريا الجنوبية حلفاء الولايات المتحدة- في شبه الجزيرة الكورية، ولضمان تدعيم علاقة التحالف اتفقت الدول الثلاث على إنشاء عدة قواعد عسكرية على أراضيها؛ لإقامة القوات العسكرية الأمريكية وكافة التجهيزات والمعدات اللازمة والملائمة للقيام بالمهام التي يمكن أن تكلف بها؛ للمحافظة على الأمن ومواجهة أي تهديدات مباشرة لأمن هذه الدول أو للمصالح الأمريكية الحيوية.
ووفقاً للاتفاق الياباني مع الولايات المتحدة تحتفظ الأخيرة بنحو 37 ألف جندي من قواتها المسلحة على الأراضي اليابانية يقيمون في 48 قاعدة وتجمعاً عسكرياً، تحتضن محافظة أوكيناوا نحو 32 قاعدة عسكرية أمريكية (62% من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في اليابان) تغطي حوالي 25% من مساحة أراضي الجزيرة؛ وتستوعب حوالي 50 ألف مواطن أمريكي من بينهم 26 ألفاً من العساكر والعمال المدنيين.

إرث ثقيل

وتواجه هذه القواعد، منذ فترة طويلة، اتهامات بإصدار ضجيج شديد، وأنها تسهم في تلوث البيئة، فيما يعد الكثير من المواطنين اليابانيين وجود القواعد على الأراضي اليابانية، نوعاً من الإرث الثقيل لمرحلة الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية؛ ما أدى إلى اندلاع عشرات التظاهرات المطالبة بنقل القواعد العسكرية الأمريكية، خاصة بعد وقوع عمليات اغتصاب وقتل لفتيات يابانيات على يد جنود أمريكيين.
أما بالنسبة لميثاق التحالف العسكري مع كوريا الجنوبية في عام 1953 تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 5‚28 ألف جندي أمريكي؛ لحماية كوريا الجنوبية من احتمالات الغزو الكوري الشمالي أو الصيني لها. وفي منتصف 2018 انتهت الولايات المتحدة من إقامة أكبر قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية في الخارج أطلق عليها معسكر هامفريز في مدينة بيونج تانج الكورية، التي تبعد نحو 60 كلم جنوب العاصمة سيؤول، ويضم هذا المعسكر 513 مبنى، وتبلغ مساحته أكثر من 14,7 مليون متر مربع.
وخلال الفترة بين عامي 1990 و2017؛ اتفقت الولايات المتحدة مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية على تحمل جزء من نفقات القوات الأمريكية في الدولتين والتي في الأغلب يتم استخدامها في دفع مرتبات وأجور الأفراد المدنيين الملحقين للعمل مع هذه القوات؛ على سداد كُلفة استخدام المرافق المدنية الكورية واليابانية من مياه الشرب والاتصالات.. وغيرها، وتم تقدير هذه المساهمات بنحو 890 مليون دولار من كوريا إضافة إلى ملياري دولار من اليابان.

المال مقابل المظلة

كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب تقلده للحكم في يناير/كانون الثاني 2017 تصريحاته وأفكاره بشأن ضرورة مساهمة أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة في نفقات الدفاع عنهم والتي تتحمل الولايات المتحدة أغلبيتها؛ وجاءت بداية تطبيق هذه السياسة الأمريكية التي دشنها ترامب بعنوان: «الإنفاق مقابل الحماية» مع الدول الأوروبية الكبرى في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)؛ حيث طلب ترامب من الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيادة المساهمة المالية لهذه الدول في نفقات الحلف خاصة تلك المتعلقة بالقواعد الأمريكية في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وتركيا؛ وبرر ترامب مطالبه بأن المظلة العسكرية الأمريكية أسهمت في زيادة معدلات النمو الاقتصادي والتجارة الخارجية لهذه الدول.
لذا لم يكن من المستغرب بعد نجاح الابتزاز الأمريكي للحلفاء في الناتو؛ وسعياً لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية خاصة قبل عام ونصف العام من تجديد اتفاقات التحالف الأمريكي مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية؛ وهروباً من المشاكل السياسية الداخلية التي تلاحق إدارته وآخرها التحقيقات التي يجريها مجلس النواب بشأن محاكمة ترامب، وحرصاً على الدخول في حلبة المنافسة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اتجهت الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب لمطالبة حلفائها في شرق آسيا؛ ( كوريا الجنوبية واليابان) وعلى لسان وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر الذي حث في أثناء زيارته لكوريا الجنوبية من 20 إلى 22 نوفمبر 2019، الدولتين على توقيع اتفاق جديد معهما يتم بمقتضاه تقاسم كُلفة تواجد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان؛ بحيث ترتفع المساهمة الكورية من 890 مليون إلى أربعة مليارات دولار، كما تزيد نفقات المساهمة اليابانية إلى ثمانية مليارات دولار بدلاً من ملياري دولار.
واستخدم وزير الدفاع أسبر ذات مفردات وكلمات رئيسه في تبرير المطالب الأمريكية من أن الدولتين أصبحتا من الدول الغنية ويجب عليهما دفع المزيد من الأموال لقاء حمايتها من التهديدات المحيطة بها.
وقد أثار نشر التصريحات الخاصة بزيادة المساهمات المالية للدولتين والتهديدات الأمريكية بسحب الجنود الأمريكيين في حال عدم الانصياع للمطالب الأمريكية، موجة تظاهرات غضب جماهيرية في الدولتين، رافضة لغة الابتزاز الأمريكية، ومطالبة حكوماتها بتجميد ووقف عملية التفاوض مع الإدارة الأمريكية في هذا الشأن؛ علاوة على تذمر عدة قيادات عسكرية (كورية ويابانية)؛ حيث شككت في مدى التزام الولايات المتحدة بتحالفها مع اليابان وكوريا الجنوبية.
وحذر عدد من المتخصصين إدارة ترامب من المضي قدماً في سياسة الابتزاز «المكشوف» لليابان وكوريا الجنوبية والتي قد تؤدي إلى زيادة الرفض الشعبي له في انتخابات الرئاسة 2020، خاصة في ظل تأكيد نتائج استطلاع للرأي العام أجراه مجلس شيكاغو الأمريكي للشؤون العالمية خلال الفترة من يوم السابع وحتى العشرين من شهر يوليو/تموز 2019 بناء على طلب من المؤسسة الكورية للتبادلات الدولية على المواطنين الأمريكيين البالغين عن تأييد 7 من بين 10 مواطنين أمريكيين الزيادة أو المحافظة على حجم القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية واليابان.

مفاوضات تقاسم التكاليف

وتشير تطورات الاتصالات بين وزيرة الخارجية الكورية كانغ كيونغ هوا مع نظيرها الأمريكي مايك بومبيو ووزير الخارجية الياباني توشيميتسو موتيجي إلى مواصلة الاتصالات والمفاوضات فيما بينهم؛ للوصول لاتفاق بشأن تقاسم تكاليف الدفاع بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان. كما تم الاتفاق الثلاثي على إعادة سريان اتفاقية تبادل المعلومات العسكرية الموقعة بينهم في نوفمبر عام 2016، والتي جمدت كوريا الجنوبية العمل بها في نهاية أكتوبر 2019 مع اشتعال نزاعها التجاري والاقتصادي مع اليابان، وهي منصة للتعاون الأمني الثلاثي بقيادة الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان في مواجهة الخطر الكوري الشمالي؛ لذا فإنه لا مفر لكل من كوريا الجنوبية واليابان سوى الانتظار لما تسفر عنه جولات التفاوض بين «الحلفاء» كما يدعي وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر!

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"