مجموعة العشرين وإفريقيا.. ما الجديد؟

03:23 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أيمن شبانة *

في الثلاثين من أكتوبر الماضي، انطلقت في برلين فعاليات القمة المصغرة الثانية للقادة الأفارقة، رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في «المبادرة الألمانية للمشاركة مع إفريقيا في إطار مجموعة العشرين»، التي عرفت باسم «معاهدة مع إفريقيا - G20 Compact with Africa»، والتي تعتبرها ألمانيا بمثابة مشروع مارشال الجديد.
المبادرة تحظى بدعم الجهات المانحة، وعلى رأسها البنك الدولي، ومجموعة الدول العشرين، الأكثر ثراء في العالم، والتي يمثل إنتاجها 80% من الإنتاج العالمي، وتسهم بنحو 75% من التجارة العالمية، ويبلغ عدد سكانها ثلثي سكان المعمورة.
كانت ألمانيا قد أعلنت عزمها، قيادة الجهود العالمية لتنمية القارة الإفريقية، ومجابهة التهديدات النابعة منها، وعلى رأسها الإرهاب والهجرة غير المشروعة، حيث تعتبر أوروبا هي الوجهة الخارجية الأولى للشباب الإفريقي الباحث عن فرص أفضل للعيش الكريم، بعدما ضاقت به سبل الحياة في بلاده. لذا طرحت ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأكبر بأوروبا، مبادرة للمشاركة مع إفريقيا، بالتزامن مع رئاستها لمجموعة العشرين عام 2017، قبيل انعقاد قمتها بهامبورج، في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق للمجموعة إدراج النمو الاقتصادي بإفريقيا على جدول أعمالها منذ تأسيسها عام 2009.
انضم للمبادرة اثنتا عشرة دولة إفريقية هي: مصر «الرئيس القادم للاتحاد الإفريقي»، وجنوب إفريقيا، وهي العضو الإفريقي الوحيد بمجموعة العشرين، بالإضافة لإثيوبيا «دولة المقر للاتحاد الإفريقي»، والمغرب، وتونس، ورواندا، وبنين، وساحل العاج، وغانا، وغينيا، والسنغال، وتوجو. كما تظل المبادرة مفتوحة لانضمام باقي الدول الإفريقية، والجهات المانحة، التي يفترض أن تقدم دعماً تقنياً لأعضاء المبادرة على صعيد الإصلاح الاقتصادي.
تنطلق المبادرة من قناعة بأن القارة الإفريقية هي قارة واعدة بالفرص والإمكانيات، التي يمكن أن تمنحها دوراً أكثر فاعلية في الحياة الاقتصادية الدولية، بشرط تحسين الإدارة الاقتصادية، والسيطرة على معدلات الفساد السياسي المرتفعة بالقارة، حيث تكشف الأرقام عن تدني مساهمة إفريقيا في التجارة العالمية، لتبلغ 2% فقط، رغم أن عدد سكانها يمثل 10% من سكان العالم. فضلاً عن تواضع نصيبها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 1%، بما يتناقض مع وضعها كقارة تجود أراضيها بنحو 30% من احتياطات الثروات المعدنية بالعالم.
تؤمن المبادرة أيضاً بأن تنمية القارة الإفريقية، يقتضي عدم التعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للقارة كحزمة واحدة، وإنما أخذ المعطيات الخاصة بكل دولة بعين الاعتبار، مع توفير الدعم السياسي من جانب مجموعة العشرين للقارة، وخلق المشاركات بين إفريقيا والمؤسسات الدولية، بما يعزز قدراتها على تحقيق الإصلاح الاقتصادي الكلي والمستدام، بالتعاون والتنسيق بين الحكومات الإفريقية والقطاع الخاص.
في هذا السياق، انعقدت الدورة الثانية للمبادرة لأجل استكمال والإسراع بإجراءات دعم التنمية بإفريقيا، عن طريق خلق بيئة اقتصادية مواتية، بدرجة تجعل القارة وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، بما يسهم في زيادة عدد المشروعات، وتوفير الآلاف من الوظائف والمنح التدريبية، وتحقيق الأرباح، وتحسين مستويات المعيشة، وفتح آفاق جديدة أمام الشباب، تحفزهم على الاستقرار في بلادهم، وعدم الشروع في الهجرة.
وقد جاءت كلمات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام القمة، لتعبر عن اهتمامها الخاص بالقارة الإفريقية. فأكدت أن الوقت قد حان للاهتمام بإفريقيا، وأن مصلحة مجموعة العشرين تتطلب أن تكون إفريقيا في حالة جيدة، وأن بلادها لن تتأخر عن تقديم الدعم للدول الفقيرة والمتعثرة بالقارة، بشرط الجدية في إجراء الإصلاحات الاقتصادية، والالتزام بمحاربة الفساد ودعم الشفافية، وتعزيز حقوق الإنسان.
كما أعلنت ميركل عن إنشاء صندوق بقيمة مليار يورو، مخصص لدعم المستثمرين بالدول الإفريقية، مؤكدة أنه يستهدف دعم المشاركات الصغيرة والمتوسطة للمستثمرين الأوروبيين والأفارقة، خلال الفترة التشريعية الحالية حتى عام 2021. بالإضافة لإقامة عدد من المشروعات بقيمة 500 مليون يورو، في مجالات الطاقة الشمسية والصحة في توجو والسنغال وساحل العاج. مع دعوة مجموعة العشرين للوفاء بتعهداتها الخاصة بتقديم المساعدات التنموية للقارة، والتي ينتظر أن تبلغ - بحسب توجيه الأمم المتحدة - 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة.
استقبل القادة الأفارقة، البيان الختامي للقمة بترحيب واضح. فأكد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا تحول المبادرة إلى مشاركة حقيقية، من شأنها الإسراع بمعدلات التنمية في إفريقيا. وهو ما صادق عليه الرئيس الرواندي بول كاجامي. كما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دور مجموعة العشرين في دعم تنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقي للعام 2063، مركزاً على دور شركة سيمنز الألمانية في تطوير قطاع الطاقة في مصر.
بالرغم من ذلك، تبقى هناك تحديات جسام تجابه تنفيذ مقررات المبادرة الألمانية. أهمها أن مجموعة العشرين ليست منظمة دولية قادرة على إصدار قرارات ملزمة. لكنها مجرد منتدى غير رسمي تقتصر صلاحياته على تقديم توصيات، وبالتالي لا يوجد التزام على أعضائها بالوفاء بالتدابير المالية المخصصة لإفريقيا. وقد سبق أن تخاذلت مجموعة الدول الثماني الكبار- وهي عماد مجموعة العشرين- عن دعم أطر التنمية بإفريقيا، وكان آخرها مبادرة المشاركة الجديدة لتنمية إفريقيا «نيباد»، التي تراجع بريقها تدريجياً منذ عام 2001.
كما أن مبلغ المليار دولار الذي تعهدت به مجموعة العشرين، لا يساوي شيئاً في ظل تواضع نصيب إفريقيا من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، بنسبة 1%، مقارنة بآسيا التي يصل نصيبها إلى 20%. بالإضافة لارتفاع تكاليف ومخاطر الاستثمار بإفريقيا، نتيجة لانتشار الصراعات والحروب الأهلية، وقصور التشريعات، وبطء نمو القطاع المصرفي، وتردي حالة البنية الأساسية، حيث تحتاج إفريقيا إلى 90 مليار دولار من الاستثمارات سنوياً لتغطية نفقات إنشاء وإصلاح البنية الأساسية.
كما يؤثر التنافس الاقتصادي واختلاف التوجهات السياسية بين دول المجموعة على قدرتها على التحرك الفاعل. ويتجلى ذلك في المنافسة المحتدمة بين الصين والدول الغربية، بغية الاستحواذ على أسواق القارة ومواردها. واختلاف سياسات تقديم المساعدات والقروض، والتي ترتبط لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تتمسك الصين بسياسة «صين واحدة»، وعدم إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان، كشرط وحيد لتقديم المعونات.
بالإضافة لذلك، تتمسك معظم أعضاء مجموعة العشرين برؤية المدرسة الليبرالية، التي تحصر مشكلات الدول الإفريقية في سوء الإدارة الاقتصادية والفساد السياسي، متجاهلة أن النمط الراهن لتقسيم العمل الدولي، الذي يجبر الأفارقة على التخصص في إنتاج المواد الخام واستيراد المنتجات المصنعة، هو السبب الأهم لحالة التبعية والتدهور الاقتصادي الذي تعانيه القارة. وهو ما يؤكد أن استجابة مجموعة العشرين للنداءات الداعية لتنمية إفريقيا لا تعدو أن تكون سباحة مع التيار، وأن تنمية القارة الإفريقية هو عملية وطنية، لا يمكن أن تُستجدى من الخارج.

* كاتب مصري متخصص بالشؤون الأمريكية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"