أباطرة الشاشات

02:13 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

قبل سنوات، ربما نراها بعيدة؛ لشدة اختلافها عما نعيشه الآن، عرف الإعلام عصره الذهبي، وتألق على الشاشة مذيعون استحقوا لقب النجوم؛ لشدة تميزهم وأناقتهم ورقي حواراتهم ولغتهم ومخارج الحروف والإلقاء، ولشدة تهذيبهم؛ حيث كان التواضع يمنعهم من التعالي على ضيفهم، ويدفعهم للإعلاء من شأنه، وتسليط كل الأضواء عليه وعلى حديثه؛ كي يعرفه المشاهدون أكثر.
في تلك السنوات، «صنع» الأولون الشاشة، وأسسوا دعائم الإعلام العربي، وخصوصاً المرئي. ونشدد على «صنع»؛ لأن قبلهم لم يكن في عالمنا شاشة ومذيع وبرامج حوارية وتحليلية، سياسية وثقافية وفنية وتسلية. وعلى الرغم من أنهم الصانعون، فإنهم لم يصابوا بالغرور، ولم يطلوا على الشاشة بمظهر وعجرفة كثير ممن جاؤوا بعدهم، والذين لم يفعلوا سوى تكرار الأدوار، مع جنوح عن مسار المهنة وأصولها، ونزع غطاء الأدب والرقي والأخلاق والتواضع في إطلالاتهم وبرامجهم.
على شاشات اليوم تحوّل بعض المذيعين إلى «أباطرة»، يفرضون سلطتهم على المحطة التي يطلون من خلالها، ويديرون برامجهم والجمهور كيفما يشاؤون، ووفق صفقاتهم «الخاصة». الإعلام بالنسبة لهم «بيزنس» يدر عليهم أموالاً طائلة، في حين أن الإفلاس ضرب المضمون الإعلامي بالعمق. الناس يتحدثون عن الثروات التي جناها هؤلاء من «الصفقات الإعلامية»، بينما عاش إعلاميو ومذيعو الأمس «على قد الحال»، أو فلنقل: ميسورو الحال ليس أكثر.
وعندما نتحدث عن مضمون ما يقدمه هؤلاء «المشاهير» من أصحاب البرامج الحوارية و«التوك شو»، نجد فراغاً وتفريغاً لعقول الناس، واستضافة شخصيات تتوافق مع أهواء المذيع ومصالحه.
ما هكذا يكون الإعلام، ولا نرضى للأجيال الجديدة أن تتعلم من هذه النماذج، وتتشبه بها وتمشي على دربها. لا نرضى أن يتحول المذيع إلى بهلوان، أو بوق يردد ما يريده الآخرون، ولا إلى فرعون يتحكم بكل شيء، ويتربع على عرش من النفاق. كذلك نرفض أن تصبح الشاشة مجرد ناقل لأحداث سبقها الناشطون على التواصل الاجتماعي إلى بثها وبشكل مباشر، كما نرفض أن يملأ المذيع الهواء بأخبار يأتي بها من صفحات الآخرين على «تويتر» و«إنستجرام» و«فيسبوك». لا يعنينا أن يستضيف إحدى نجمات «السوشيال ميديا»، ويعيد علينا ما تكتبه على صفحاتها، كأنها عبقرية اكتشفت اختراعاً أو صنعت ما ستتحدث عنه الأجيال القادمة! نريدها شاشة صانعة للحدث، فيها مذيع يجيد قراءة المرحلة بحرفية وضمير، يمشي مع التطور دون أن يستسلم للاستسهال وتتفيه المضمون.
نريد قناة وإعلامياً صفقتهما الوحيدة تقديم الأفضل للمشاهد، والمساهمة في الإعلاء من شأنه وشأن المجتمع بوعي وضمير حي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"