«الشعبي» وفساد الأخلاق

03:26 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

الأزمة هي أزمة «ذوق عام»، أكثر مما هي أزمة شاكوش وبيكا ومصطفى حدوته وكل مغني ومؤلفي وملحني «المهرجانات».
هي أزمة فرزت المجتمع المصري، لكنها لم تقسمه إلى «الناس اللي فوق» و«الناس اللي تحت»، لأن «اللي فوق» لا يختلفون عن «اللي تحت» في الانجراف خلف هذه الموجة، والترويج لها والرقص على أنغامها. هي فرزت أصوات الناس بين مؤيد لانتشارها ومستنكر لوجودها.
بين «اللي فوق» و«اللي تحت»، والصرخات المطالبة بإيقاف هذا التيار الجارف للشباب خلف تقليعات محمد رمضان و«المهرجانات»، ظهر صوت لم نتوقعه ولم نتمنَّ استيقاظه متأخراً على حقيقة هبوط الأغنية إلى حد الإسفاف، واتخاذ نقيب المهن الموسيقية هاني شاكر فجأة القرار القاطع بمنع كل «المهرجانات» ومحمد رمضان من الغناء في الحفلات، ومنع استخدام أغانيهم في الأماكن السياحية والمراكب والبواخر النيلية، والمقاهي.
القرار الذي فاجأنا به النقيب، دفع الأغلبية، بمن فيهم فئة المعترضين على الإسفاف في الغناء الشعبي والمشمئزين من محمد رمضان وجنون العظمة لديه ومظاهر البذخ والتعالي التي ترافق ظهوره في كل مكان، إلى الاعتراض عليه؛ فلماذا لم يشعر النقيب بهذا الحرص والغيرة الفنية على الذوق العام والشباب والسياحة وصورة مصر قبل سنوات، أي منذ الأغنية الأولى لرمضان، والتي أطلق فيها الرقص بالمطاوي؟ ولِم لَم يعترض عند ظهور مهرجان حمو بيكا الذي يقول فيه «دماغي غيبوبة»، و«اصحى يالي أمك صحبتي»، وغيرها الكثير من الصور الإباحية الصريحة؟ هل ينفع اليوم الاعتراض على صوت محمد رمضان بعد توسع رقعة نجوميته، وارتفاع جمهوره له إلى «النمبر وان» في قائمة الفنانين، ثم التحجج برداءة صوته؟ المدافعون عنه يستشهدون بالفنان الراحل أحمد زكي الذي لم يتمتع بصوت جميل كي يغني «كابوريا» و«مرزوق» وغيرهما في الأفلام، ومن ثم انتشرت أغانيه، وأذيعت في الراديو، فلماذا لم يمنعه أحد من الغناء؟ كما أن الاعتراض على «الخمور والحشيش» في كلمات أغاني المهرجانات، يدفع للتساؤل عن سبب غياب هذه الغيرة على الأخلاق وتهذيب الحوار والارتقاء بالذوق العام في المسلسلات أولاً، والأفلام ثانياً.
المؤكد أننا نحتاج إلى حملة للحد من هذا الانحدار، شرط أن يتم فيها التعاون بين مختلف النقابات الفنية والأجهزة الرقابية لمنع انتشار مظاهر العنف والقتل والمخدرات بجرعات زائدة ودفعة واحدة في أغلبية المسلسلات التي تعرض على كل القنوات في شهر رمضان، والدفع نحو إنتاج الأغاني الراقية الجميلة، وانتعاش الموسيقى من دون صخب وضجيج وقرقعات وتلاعبات كومبيوترية. نحتاج إلى وعي بأهمية العودة إلى الرقي في الفن، بمختلف طبقاته، حتى الشعبي منه، لأن الشعبي جميل أيضاً ومطلوب، ولا يعني أبداً الفساد في الأخلاق والذوق واللغة والأفكار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"