كتاب المسافر

ليس إلا
13:39 مساء
قراءة 3 دقائق

طُرح سؤال على الناس في أحد المواقع الالكترونية وهو: ما الذي تصطحبه معك في السفر إلى معتزل تقضي فيه بضعة أيام؟ أو ما الذي يمكن أن تصطحبه معك فيما لو أجبرت على الإقامة في مكان معزول لبضعة أيام أو لفترة شهر على سبيل المثال؟ بعضهم أجاب أنه سيصطحب أغاني مختلفة يقضي بها على الملل الذي سيشعر به في المكان، بعضهم الآخر أجاب أنه سيصطحب كتبا عديدة من بينها الرواية والشعر والتاريخ يستعين بها على الوقت الذي سيكون ثقيلا لا يتحرك. بعض ثالث وضع في رأس قائمة الكتب القرآن الكريم يقرؤه ويتدبره في أوقاته ويرهف به نفسه ويتصبر به على نهاراته التي ستبدو لا نهائية. بعض رابع اختار فيما لو كان المكان قريبا من البحر اصطحاب أدوات هواياته المفضلة الصيد والغوص وأخذه كمبيوتر شخصي ليمارس التجول في الانترنت ولعب الشطرنج مع خصم إلكتروني. فكرت، لو أن السؤال شملني، كيف ستكون اجابتي. وفي الحقيقة وجدت أن الجواب ليس بسيطا إذ أنه يتعين عليك التأمل مليا في عاداتك القريبة التي جبت ما قبلها من عادات عُرفت بها من زمن، ويتعين عليك كذلك الانتباه إلى عناوين الكتب التي مرت عليك ومررت عليها والتصقت ببعضها، لا تفارقها حتى تعود إليها لدسامة موضوعاتها. كان علي الكثير لكي أستطيع القيام بذلك، لكي أجيب عن مجرد سؤال بسيط قد لا يوحي بكل ذلك الجهد. غالبا ما كنت اصطحب معي كتبا في السفر، بعضها يبقى معي وبعضها الآخر اتخلص منه بطريقة مفيدة؛ أهديه إلى أي وجه أعرفه في المطار، في الحارة المعاكسة لحارتي التي أسير فيها. أو يشاركني حارتي التي أسير فيها، هكذا قد يخرج علي صديق من خلف عمود اسمنتي خروجا مباغتا.

جميل أن تحصل على كتابٍ زاداً وبعد أن تنتهي منه تزود به غيرك، مرتحلا آخر تعينه على تحمل متاعب السفر. السفر رغم جماله له اتعابه التي تختلف من شخص إلى آخر. لقد وجدت من يخاف السفر عموما، في الطائرة وغيرها؛ كنت تعثرت بأكثر من صديق ممن لديهم رهاب الأعالي والسفر بالطائرة، بعضهم يشكل لك (مصيبة) عليك معالجتها بينما يعز التخلص منها. لكن المصائب تولد كبيرة وتصغر. في السفر أحببت كتابين، الأول كان داغستان بلدي للشاعر الكبير رسول حمزاتوف، أنقله معي وأبدأ بقراءته من أي صفحة شئت، فهو مجموعة حكايات عجيبة غريبة مكتوبة بقلم شاعر. والثاني كتاب فن الحرب للمترجم المبدع والمتألق كامل يوسف. وهذا الكتاب الثاني أصبحت له بمرور الأيام وتكرار القراءة، غلبة على الكتاب الأول. وهنا أذكر اسم مؤلف الكتاب الأول بينما الكتاب الثاني أذكر اسم مترجمه، ترى لماذا؟ لكون مؤلف الأول معروفا ومشهورا، هو رسول حمزاتوف، الشاعر الذي كان يوما رئيسا للكتاب السوفييت قبل أن تنهار تلك الدولة الكبيرة وتترك الساحة الدولية لقطب واحد يلعب فيها. أما مؤلف الكتاب الثاني فليس معروفا على وجه الدقة إذ يعزى إلى مجموعة من القادة العسكريين اللامعين ممن تربطهم صلة قرابة (من عائلة واحدة) حيث قرروا قبل 2500 عام من الآن، أن يكتبوا ولأول مرة أفكارهم وتصوراتهم وتجاربهم الميدانية العسكرية في مؤلف ليكون أول كتاب للفكر الاستراتيجي ليس للصين وحدها بل لعموم شرق آسيا القديمة. إن الترجمة أحيانا كثيرة تكون أشبه بعملية إكساء العظم لحما. وهذا ما فعله صديقنا كامل يوسف في (فن الحرب) الذي اعتبرته فن الحياة. هذا الكتاب لا يزال صديقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"