الحياة.. لحظة تنافس

02:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
** القاهرة: الخليج

وجدت الرياضة منذ الحضارات القديمة للارتقاء بالإنسان وتوظيف قدراته البدنية في حالة من المنافسة الشريفة، لكن بعض الألعاب، اتخذت مساراً مغايراً فصارت «ألعاباً قاتلة»، لا بد أن تنتهي بالإجهاز على المنافس نهائياً، كما في بعض الرياضات الرومانية، حتى وصل الأمر في عصرنا الحديث إلى بعض الألعاب الإلكترونية القاتلة التي تدفع ممارسها إلى الانتحار أو إيذاء الآخرين، فهل كان اللعب يعبر عن جانب مظلم في الإنسان يتمثل في العنف؟
يرى الدكتور شاكر عبد الحميد أن ثقافة العنف زادت في المجتمع بشكل عام في السنوات الأخيرة وبأشكال مختلفة، من خلال انتشار السلوك العدواني ونفي الآخر، وتراجع فكرة الحوار بين التيارات والفئات الاجتماعية المختلفة، واتخذ هذا الأمر مسارات متعددة وأشكالاً متباينة.
ويضيف: عندما مارس الإنسان الرياضة في أطواره الأولى في الوجود على الأرض كانت محاولة لإثبات الوجود والقدرة على التنافس، فظهرت رياضات المصارعة عند الرومانيين، وظهرت رياضة الفروسية والمبارزة بالسيف عند العرب، وبعض هذه الرياضات رغم سمو الغرض منها، إلا أنها تطورت في بعض العصور لتصبح مجالاً لتصفية الخصوم والمنافسين، وكانت ساحات المبارزة تنتهي عادة بأن يجهز أحد المبارزين على من يبارزه، إما بإصابته أو قتله لنيل الجائزة أو الفوز بالحبيبة التي يتصارعان عليها.
حتى في الرياضات البدنية مثل المصارعة الرومانية كان كل من المتنافسين يسعى لتكسير عظام الآخر وشل حركته، وحتى في الرياضات الجماهيرية في إسبانيا القديمة مثل «مصارعة الثيران» كان المصارع الذي يستعرض قوته البشرية أمام الثور الضخم الجسم، يدخل الحلبة وهو يعرف مقدماً خطورة ما يفعله، وقد يصل الأمر لموت المصارع، وتطور الأمر في القرن العشرين من خلال مسابقات الملاكمة، التي ارتفعت جوائزها لملايين الدولارات، وأبطالها المميزون كانوا يتميزون بأنهم يتفوقون على خصومهم ومنافسيهم بالضربة القاضية التي اشتهر بها عدد من كبار الملاكمين العالميين أمثال محمد علي كلاي في السبعينات، وتايسون في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
يؤكد الكابتن أيمن يونس نجم نادي الزمالك أن الرياضة تسمو بالأخلاق وتعلي من قيم التسامح والتلاقي والتعارف بين البشر، هذا هو الأساس الذي وجدت من أجله الرياضة، فكل رياضة لها قوانينها وأساسياتها التي يجب أن تراعى، فمن أهم هذه القوانين المحافظة على المنافس وعدم إيذائه أو حتى محاولة ذلك.
ويضيف: للأسف أصبح الخروج عن قانون الرياضة عرفاً في بعض الرياضات مثل المصارعة والتايكوندو والمبارزة بالسيف، بل إن بعض الرياضات العنيفة القديمة ما زالت تمارس حتى الآن، ولو في إطار شعبي مثل «مصارعة الثيران»، التي يراها البعض رياضة ترفيهية، إلا أنها محفوفة بالخطر، واللعب في الأساس من المفترض أن يعبر عن الجوانب الإنسانية داخل الرياضي، أما أن يخرج الجانب المظلم أثناء ممارسته الرياضة، فهذا أمر صعب للغاية، وقد نرى حتى بعض لاعبي كرة القدم يتعمدون إيذاء منافسيهم، وهو ما يساعد في خسارة الفريق المنافس أحد أهم لاعبيه، فهذه الإصابات المتعمدة تدخل في إطار العنف الذي ترفضه كل قوانين الرياضة في العالم، ويطالب يونس بضرورة تفعيل القوانين، التي تحافظ على سلامة اللاعبين.

صيغ جمالية

يتفق مع هذه الرؤية الدكتور زين عبد الهادي، قائلاً: الرياضة محاولة لتخليص النفس من الشرور، والبحث عن صيغ جمالية للتحاور مع الآخر.
ويضيف: منذ سنوات بدأت تظهر الألعاب الإلكترونية التي أصبح لها تأثير في الشباب الذين يتابعون العالم الافتراضي، والذي أصبح يجذب إليه ملايين المتابعين من هذه الفئة العمرية في العالم، وألعاب الفيديو والإنترنت ليست إلا مرآة لشخصية المستخدمين، بمعنى أن المستخدملا يتمنى أن يكون مثل الشخص الذي يمارس تلك الألعاب، وهذا النشاط بإمكانه إثارة الخيال والحدس وتركيز اللاعبين، كما أن الاستعمال المكثف لها بإمكانه أيضا إثارة سلوك الإدمان، وقد يؤدي بالفعل إلى الإدمان على الإنترنت، ولكون مثل هذه الألعاب ترتكز على مبدأ المحاكاة وتحكم اللاعب في سير الأحداث، فإن ألعاب الفيديو والإنترنت تثير لدى اللاعب فضولاً قوياً ورغبة في الاكتشاف وحل الألغاز التي يمتزج بها الحظ والتنافسية والتقليد. لقد حدث هذا التحول المذهل في تسعينات القرن الماضي، وذلك مع ظهور الشركات العملاقة في مجال الإلكترونيات مثل «مايكروسوفت - وسوني»، لقد جاء الإنترنت بطرق جديدة للعب، وهو اللعب جماعة عبر الشبكة العنكبوتية ومع لاعبين متعددين، بحيث يستطيع اللاعب أن يتبادل ويتقاسم الأدوار، وأن ينتج مع غيره إلى أن يبتكر تجارب لعب جديدة. وللأسف الشديد، فإن الشركات العملاقة العالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات فتحت الباب على مصراعيه للمساهمين الذين أصبحوا منشئين للمحتويات وللألعاب، وذلك بدعم الفاعلين في الصناعة التواصلية، لأنها تدر دخلاً كبيراً على مثل هذه الشركات، بمعنى أن المنافع المالية هي الأساس ومسألة الربح هي جوهر الفكرة، بعيداً عن المخاطر التي قد تلحق بالمستخدمين، وخصوصاً الأطفال والشباب، الذين تتشكل مداركهم وفق ما يمارسونه من ألعاب في العالم الافتراضي، فالاستعمال المكثف لمثل هذه الألعاب الإلكترونية تشوبه عدة عيوب، حيث يؤثر في الأحداث والبالغين أيضاً الذين أصبحوا مستهلكين أساسيين لها.

عدوانية وعزلة

تشير الدكتورة أماني فؤاد أستاذة النقد بأكاديمية الفنون، إلى أن الألعاب الإلكترونية أصبحت تمثل خطراً ملحوظاً على الأطفال والشباب الذين يمارسونها، لأنها تحاول إخراج أسوأ ما في النفس البشرية من العنف والتعصب والعزلة الشديدة، وهي أشياء تتنافى مع القيم الإنسانية الرفيعة التي خلق الإنسان من أجلها، وهي تذكرنا بالألعاب القديمة التي كانت تعتمد على الصراع الدموي كتلك التي كانت تقام في العصور الوسطى، حيث يوضع وحش مفترس في مواجهة شخص ما، والنتيجة الحتمية المعروفة هي نهاية هذا الشخص الذي يكون معارضاً للإمبراطور أو الكاهن، وعلى الرغم من أنهم يطلقون على ذلك اسم لعبة، لكنها لا تدخل في دائرة الألعاب إنما هي إعدام حقيقي للخصوم، وقد انتشرت الألعاب الدموية في الحضارة اليونانية والرومانية، وكأن مثل هذه الألعاب تقوم على فكرة الثأر، أو فكرة وجودي في مقابل إنهاء وجود الآخر، ومع انتشار الأجهزة الإلكترونية أغرم الشباب والصبية بالألعاب الإلكترونية، التي شغلت حيزاً كبيراً من اهتمامهم، حتى أصبحت أشبه بالمرض الذي يجد البعض صعوبة في التداوي منه، بل وصل إلى ما يشبه الإدمان لدى الفئات العمرية الصغرى في المجتمع، وتكمن خطورة ذلك في تأثير مثل هذه الألعاب في نشأة الأطفال، وللأسف الشديد فإن كثيراً من برامج التربية لدى بعض الدول المتقدمة عززت من العملية الاستهلاكية لدى الأطفال، حيث نصب الطفل منذ بدايات القرن العشرين على عرش الاستهلاك، فأخذ الوالدان يشتريان للأطفال كثيراً من الألعاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"