الاحتلال في مواجهة هبّة الضفة والقطاع

02:28 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

أثارت العمليات التي استهدفت قوات الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة مخاوف في أعلى الأوساط الحكومية اليهودية بأن الانفجار الواسع قريب. وتبادلت دويلة الاحتلال الاتهامات مع السلطة الفلسطينية بشأن المسؤولية عن وصول الأوضاع إلى هذا الحال، حيث اعتبرت حكومة الاحتلال أن السلطة تشجع على العمليات فيما شددت قيادة السلطة على دور المستوطنين وعنجهية الاحتلال وانسداد أفق التسوية.
تحاول جهات إقليمية ودولية منع تدهور الوضع والتوصل إلى صيغ لتحريك العملية السلمية.
ومن المؤكد أن تنامي عمليات المقاومة في الضفة الغربية أربك تقديرات الاحتلال بإمكانية مواصلة قضم أراضيها وتوسيع الاستيطان واستمرار مصادرة الحق الفلسطيني في تقرير المصير من دون أثمان. كما أن هذه العمليات أظهرت أن محاولات تحقيق التهدئة في قطاع غزة لا تعني البتة وقف المقاومة بأشكالها السلمية والمسلحة في الضفة الغربية. وإلى جانب كل ذلك أعادت هذه العمليات تصويب الأنظار إلى حقيقة أن كل ما يبذله الاحتلال من جهد لوأد المقاومة وروح النضال بين الفلسطينيين لا يحقق هذه الغاية.
وهكذا فإن عمليات المقاومة المسلحة التي ترافقت مع تعاظم عمليات التظاهر والانتفاض ضد التهويد والاستيطان في القدس المحتلة وباقي أرجاء الضفة عززت الانطباع بأن لدى الفلسطينيين، رغم خلافاتهم، ما يمكن أن يوحدهم. وأثارت هذه العمليات ردود فعل فلسطينية مرحبة بشكل واسع أعادت الاعتبار للكثير من القيم التي اعتبرها البعض بالية في مواجهة عدو متغطرس. وشجعت هذه العمليات عددا من كبار المعلقين اليهود على حث حكومة نتنياهو على عدم التمادي في ردود الفعل العصبية والسعي لاحتواء الموقف.
ومعروف أن حكومة الاحتلال سعت على مدى السنوات الفائتة لوأد شرعية السلطة الفلسطينية واتهامها بالفشل في قيادة الفلسطينيين نحو مستقبل أفضل لا لشيء إلا لأنها رفضت الإملاءات السياسية الأمريكية و«الإسرائيلية». ومن جهة أخرى فإنها طوال الوقت كانت تتهم الفصائل الفلسطينية المعارضة لنهج التسوية بالإرهاب وتحاول تجنيد الأسرة الدولية ضدهم. وهكذا فإن حكومة بنيامين نتنياهو جهدت من أجل إثبات أن الفلسطينيين، سواء كانوا من أنصار التسوية أو المقاومة، سواء وهم جميعا ليسوا شركاء في شيء.
والآن ثمة بين كبار الاستراتيجيين اليهود من يرى أن مراهنة نتنياهو، واليمين الصهيوني، على «جنرال الوقت» لم يجدِ نفعاً. صحيح أن عمليات قضم الأراضي في الضفة الغربية تتواصل وأن نتنياهو أحرز بعض التقدم في علاقاته مع إدارة ترامب وربما أيضا مع بعض الدول، لكن الموقف الفلسطيني والعربي والدولي، ظل تقريبا على حاله. فالفلسطينيون، كما أثبت الواقع في مناطق الاحتلال، سواء في الضفة أو القطاع، لا يتنازلون عن حقوقهم وهم يبذلون الدماء من أجل صيانتها. ومن الجائز أن تعنت نتنياهو في مصادرة هذه الحقوق صار يقرب الفلسطينيين أكثر من بعضهم ويشجع على محاولة إنهاء الانقسام.
ولم يجد نتنياهو، وهو الذي يبذل قصارى جهده لإبعاد الضفة الغربية عن الواجهة الإعلامية، بدًا من إطلاق يد الجيش في مناطق السلطة عموما وفي رام الله خصوصا لاستباحتها. ووصلت عمليات الاستباحة إلى اقتحام مؤسسات رسمية فلسطينية في رام الله وتفتيشها واعتقال موظفين فيها إضافة إلى استباحة بيوت الفلسطينيين ومنشآتهم الخاصة. ولم تخفِ قيادة السلطة موقفها الذي رأى في استباحة رام الله ليس فقط ملاحقة للمقاومين وإنما أيضا استهدافاً لموقفها من «صفقة القرن». وهذا ما دفع قيادة فتح على لسان رئيس مكتبها الإعلامي، منير الجاغوب لإعلان أن «الاحتلال هو الخطر الداهم الذي يواجهنا جميعا مهما اختلفت اتجاهاتنا كفلسطينيين فهو احتلال لا يفرق بين فلسطيني وآخر، بين معتدل ومتطرف بين «فتح» و«حماس». وشدد على وجوب ألا ينسى الجميع أن «التناقض الوحيد هو مع الاحتلال فقط». ورغم أن هذا الموقف لم يترجم بحرفيته في الخليل ونابلس عند اصطدام قوات الأمن الفلسطينية بمتظاهرين معارضين إلا أنه يعبر عن رغبة في التوافق لمواجهة عربدة الاحتلال.
وفيما أعلنت الفصائل الفلسطينية عن توحيد جهودها في مواجهة الهجمة اليهودية الجديدة التي لم تقتصر على اغتيال المناضلين وإنما سعت لتوسيع الاستيطان وإبعاد الفلسطينيين عن القدس، طالبت السلطة الفلسطينية بتدخل دولي لوقف العدوان. وفي المقابل ونظراً لشدة الفعل المقاوم تزاحمت في الاحتلال التهديدات بملاحقة الفلسطينيين عبر استخدام قطعان المستوطنين للعربدة في الشوارع وقرب المستوطنات. وذهب بعض قادة «إسرائيل» من اليمين الأقصى، مثل زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت إلى التهديد بزعزعة الحكومة إذا لم تتخذ قرارات حازمة ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع على حد سواء. وأعلن بينت أن الفلسطينيين «توقفوا عن الخوف منا، وعندما لا يخافون فإنهم ينفذون عمليات القتل» وطالب بتمرير قانون لطرد عائلات منفذي العمليات في الضفة وهدم بيوتهم.
غير أن السؤال الذي ظل يؤرق قيادة الاحتلال بقي كما هو: ما العمل في مواجهة المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع. ويرى المعلق العسكري للقناة العاشرة، ألون بن دافيد أن قرارات حكومة نتنياهو في الأيام المقبلة هي ما سيحدد وجهة الأمور تصعيداً أو تهدئة. وأشار إلى «الإنذار الاستراتيجي» الذي كانت نشرته شعبة الاستخبارات العسكرية قبل أشهر قليلة حذرت فيه من «اندلاع العنف في الحلبة الفلسطينية» موضحاً أن أحداث الأسبوع الأخير تنذر ببداية ذلك حيث يمكن أن يضطر الكيان للمواجهة في العام 2019 على ثلاث جبهات.
ويحاول قادة الاحتلال والمعلقون السياسيون في ظل الأوضاع الراهنة معرفة السبيل إلى منع انتفاضة أخرى في ظل العجز عن منع انفجار انتفاضة فلسطينية جديدة ومن نوع خاص أيضا. ويشير كبير المعلقين السياسيين في «يديعوت»، ناحوم بارنيع، إلى فشل التقديرات بأن العقوبات الجماعية تردع الفلسطينيين عن المقاومة وأيضا فشل تكتيك التسهيلات الاقتصادية كوسيلة لتجنب الحل السياسي. ويبين بارنيع المفارقة الأساسية في منهجية عمل حكومة نتنياهو التي تتلخص في أن «أبو مازن و«حماس» يسعيان لإبادة «إسرائيل»... هدف «إسرائيل» هو تخليد الوضع القائم - حكم «فتح» ضعيف في رام الله وحكم «حماس» ضعيف في غزة، وتغذية العداء بينهما. إذا كان هذا يكلف ثمن جولة عنيفة في غلاف غزة مرة كل أربع سنوات أو موجات إرهاب متكررة في الضفة، فليكلف. المهم ألا نحسم، ألا نهز السفينة، وألا نعود بأي حال إلى طاولة المفاوضات».
ومن المؤكد أن الفلسطينيين بكل فصائلهم ليسوا على استعداد للرقص على أنغام «إسرائيل» وهذا يشجع على التقارب أكثر. وفي كل الأحوال فإن أحداث الضفة الغربية توضح أن ترابط النضال مع غزة هو الوسيلة الأمثل لمواجهة الاحتلال وإجباره على أخذ الحق الفلسطيني بالاعتبار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"