«الكرنك» المفتوح.. قصة حضارة إنسانية

يتيح للزائر مشاهدة الآثار في أماكنها الطبيعية
02:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

تروي مقتنيات متحف الكرنك المفتوح بمدينة الأقصر المصرية، قصة حضارة إنسانية تليدة، لا تزال آثارها شاهده حتى اليوم، على عظمة الحضارة المصرية القديمة، وكيف ألهمت العالم مختلف الفنون والمعارف.

ويختلف المتحف عن غيره من المتاحف المصرية، فهو يتيح للزائر مشاهدة الآثار في أماكنها الطبيعية، من دون حواجز أو فاترينات للعرض، وقد أنشئ هذا المتحف في ثمانينات القرن الماضي، بعدما امتلأت مخازن وزارة الآثار بالعديد من القطع والأحجار المنقوشة، التي جرى استخراجها من حفائر الكرنك، التي بدأ التنقيب عنها منذ نهايات القرن التاسع عشر، وقد كانت هذه الحفائر السبب الرئيس وراء فكرة إنشاء متحف مفتوح، يتيح للزائرين رؤية هذه الآثار في مواقعها الطبيعية.

يضم المتحف العشرات من القطع الأثرية رائعة الجمال، التي تحكي فصولاً من تاريخ مصر القديمة، وإن ظلت أشهر معروضاته، المقصورات الست من الدولة الوسطى، فضلاً على مقصورتين للدولة الحديثة. ومن أشهر هذه المقصورات المقصورة البيضاء الخاصة بالملك سنوسرت الأول، والمقصورة المرمرية لأمنحوتب الأول، والمقصورة الحمراء الخاصة بالملكة حتشبسوت، وقد شيدت هذه المقصورة، لتكون المقصورة الرئيسية لمعابد الكرنك.
وترجع تسمية مقصورة حتشبسوت ب«الحمراء»، لأنها مصنوعة من حجر الكوارتز الأحمر، وتتضمن نقوشاً تروي مشاهد من الاحتفال ب«عيد الأوبت»، الذي يعد من أشهر الأعياد عند الفراعنة، وهو ما يبدو في مجموعة النقوش التي تجسد راقصين وراقصات تعبيراً عن الاحتفال، ومن بينها نقش لأحد الراقصين، وهو يرفع يديه للسماء بحركات بهلوانية، فيما تقف مجموعة من المصفقين في خلفية المشهد، إلى جانب مجموعة من ماسكي «الصلاصل»، وهي أداة كانت تستخدم في العزف قديماً، وتشبه إلى حد كبير الآلة الموسيقية التي تستخدم الآن في حفلات الرانجو الموسيقية في موسيقى الجنوب. وتضم المقصورة مشاهد أخرى لمجموعة من راقصي الأكروبات، الذين يقومون بحركات بهلوانية مختلفة الأشكال، وكذلك عازفي الهارب، وهي آلة فرعونية قديمة، بدأت تظهر منذ سنوات مرة أخرى ضمن الفرق الموسيقية الكلاسيكية العالمية.

ويحفل المتحف بالعديد من الأواني الفخارية القديمة، التي كانت تستخدم في صناعة النبيذ، وقد تفنن الفراعنة في تلك الصناعة، حيث تشير العديد من النقوش إلى مراحل صنع النبيذ، التي كانت تبدأ بوضع العنب داخل معصرة مصنوعة من الحجر، حيث يمر النبيذ داخل المعصرة بثلاث مراحل، قبل أن ينتهي إلى إناء بعد تصفيته من جميع العوالق والرواسب، قبل تقديمه للملوك والكهنة وكبار رجال الدولة.
وتضم مجموعة الأواني الفخارية، تلك الأواني التي كانت تستخدم في طحن الحبوب مثل القمح والشعير، قبل أن يتم تحويلها إلى عجين، يصنع منه خبز الشمس، وهو الخبز الذي لا يزال موجوداً في الصعيد حتى اليوم، ويصنع بالطريقة ذاتها التي كان يصنعه بها المصري القديم، بل ويعرف بالاسم نفسه.
وتعد المقصورة البيضاء أحد أبرز مقتنيات متحف الكرنك المفتوح، وهي تعود للملك سنوسرت الأول، أو سيزوستريس الأول، وهو حسبما تقول العديد من الدراسات التاريخية، ثاني ملوك الأسرة ال 12، الذي اشترك في حكم مصر مع والده، خلال الفترة من عام 1975 إلى 1965 قبل الميلاد، قبل أن ينفرد بحكم البلاد بعد وفاة والده، وقد امتدت فترة حكمه إلى 43 عاماً، شهدت فيها الحياة في مصر ازدهاراً كبيراً، وسعة في الرزق، حيث بدأ المصريون يستخرجون الذهب من باطن الأرض، ويتفننون في صناعة المشغولات الذهبية والأحجار الكريمة مثل الفيروز.
وتعد المقصورة البيضاء - حسبما يقول الآثاريون - من أقدم الآثار التي عثر عليها في محيط معبد الكرنك، وقد كانت تسمى في الماضي «إبت سوت»، وهو الاسم المنقوش على المقصورة التي تكتسب اسمها الجديد من كونها مصنوعة من الحجر الجيري الأبيض، وقد تم العثور على المقصورة داخل الصرح الثالث للملك أمنحتب الثالث في عام 1928، وتمت إعادة بنائها وتشييدها داخل المتحف المفتوح للحفاظ عليها، باعتبارها تمثل نموذجاً لروعة البناء في فترة الدولة الوسطى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"