عادي

المهرجان لا يبدأ إلا بالشندغة

22:39 مساء
قراءة 3 دقائق
لا أدري هل هو المكان أم ذاكرة المكان التي تدفعني دوما الى التوجه الى الشندغة تلك الواحة التي ينبض كل ركن فيها بالتاريخ والمشاهدات الحية، لا تثيرني الابراج الشاهقة ولا المولات الرحبة والملونة بكل اطياف اللون، بقدر ما ترتاح النفس حينما تقف على ضفاف الخور الذي تمخر فيه السفن والعبارات التي تحمل البضائع أم تلك التي تمنح ركابها متعة السياحة؟طالما حملتني قدماي الى هناك، أجول في حناياها الصديقة، وأشعر بأنني قد دخلت الى التاريخ من بابه الواسع، طبعا ما اقصده هنا هو تاريخ هذه المنطقة التي منها انطلقت بواكير هذه الدولة وتشكلت ورسمت خطها الحديث، حينما دعا المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم أخاه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ليضعا ايديهما يأيدي بعض ويتحدا لتكون الامارات أقوى ومن ثم دعوا بقية اخوانهما حكام الامارات الاخرى للانضمام الى هذا التحالف الذي غدا نموذجا أثبتت الايام نجاحه رغم رهان الكثيرين على فشل التجربة استنادا الى فشل تجارب عربية سابقة لتنطلق الامارت الى حقبة جديدة اكثر ازدهارا.ربما لهذا السبب ما زالت الشندغة والمعروفة اليوم باسم قرية التراث ساحرة عميقة وغامضة ايضا بهدوئها ووداعتها، وكأنها تدرك أنها الرقم واحد وسط هذا الفيض العارم.هكذا تبقى الوجهة الأولى للزائرين والسياح وحتى أبناء البلد الباحثين عن خيوط حياة الاجيال الاولى المؤسسة.. أجيال الغواصين والصيادين وتجار اللؤلؤ ليتلمسوا عن قرب حياة الجيل الأول ووداع النسوة لرجالهن على ضفاف الخور.إلا ان المكان يزداد سحرا في هذه الايام وكأن الشندغة تغتسل من غبارها المثقل بالتاريخ لتصوغ قصصها في قالب جديد يروي الكثير من الروايات والحكايا عمن صنعوا تاريخ هذه المنطقة، وما زال المكان يتحدى رموز الحداثة مفاخرا بكل شموخ لأنه الاصل والاساس.فها هنا بيت الشيخ سعيد رمز المكان وبداية الاسطورة وهناك بيت الشامسي الى جانبه.. فروابط الاخوة الاصدقاء تستعصي على الفراق، وإن كنا نعيش في زمن انحسار القيم والمعايير وطغيان المادة على كل شيء حتى على النفس البشرية.هناك العريش.. البيوت التي سكنها القدماء صيفا، وهناك بيوت البدو والحضر جنبا الى جنب، وهناك قرية الغوص بكل مفرداتها وادواتها اضافة الى متعة فلق المحار بحثا عن لؤلؤة نادرة صاغتها الترسبات والاتربة في اعماق البحار.وهناك سحر المكان والنسوة اللاتي يتبارين في تقديم ألذ المأكولات الشعبية.. اللقيمات وخبز الرقاق والحلوى العمانية التي اصبحت جزءاً من شخصية المكان، فما عليك الا ان تتوجه اليهن ومعدتك خاوية وتتناول ما تشاء فلا خوف من ارتفاع الكولسترول أو الشحوم.ومن المشاهدات الحية الحرفيون الذين اعيدت اليهم الحياة في هذه القرية وكأنهم جاؤوا ليعيشوا الماضي بالحاضر، ومن بينهم من تزخر ذاكرته بالحكايا القديمة ومن دون أن تسأله يخبرك عنها وهو يصقل سيفا أو يجلوه أو يعقد سعف النخيل ليصنع منها مهفة او غطاء للقدور، في حين لا تتوقف احاديث النسوة وهن يسترجعن الماضي ومنهن من تصنع خلطتها العطرية من الزيوت أو البخور وتقدمها للزوار ليعبق المكان بهذه الروائح العطرية.الفرق الشعبية تمنحك بعدا آخر تتعرف من خلاله الى تحدي الرجال، الرياييل الذين قاوموا قساوة الحياة والمناخ وضيق اليد كلها امور تتعرف اليها من خلال مفرداتهم الشعبية التي يترنمون بها وكأنها طقوس مهيبة يشدون بها عزائمهم ويستمدون منها الثقة.. ناهيك عن اليولة والعيالة ولوحات شعبية أخرى تجمعهم شيبة وشبانا، ربما ليتعلموا الدروس.الزمن الأول هنا، وناسه هنا وشواهده هنا.. فالمدن حية لا تموت.. وقد يموت غيرها قبل ان يولد. ميرفت الخطيب
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"