الجيوش في زمن الجائحة

04:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تلعب الجيوش العربية في زمن الجائحة دوراً محورياً لمواجهة تفشي المرض بين السكان في مختلف المدن والحواضر العربية

أكدت التطورات المتعلقة بالأزمة الصحية العالمية أن الأمراض والأوبئة وعلى الرغم من خطورتها على الجوانب الصحية للمجتمعات، فإنها لا تلغي الأدوار والحسابات الجيوسياسية للدول لاسيما القوى الكبرى منها؛ إذ إنه وفي أحلك ظروف انتشار الجائحة، لم تتوقف الدول عن إبراز قدراتها العسكرية وعن سعيها إلى المحافظة على مراكز نفوذها ونقاط قوتها الاستراتيجية عبر العالم. وسواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة والصين وروسيا أو بدول أخرى أقل قوة، فإن جيوش دول العالم باتت تضطلع بدور رئيسي ومحوري في زمن تفشي «كوفيد 19»، في سياقين رئيسيين يتعلق الأول بالمحافظة على النشاطات الاعتيادية للجيوش، ويتصل السياق الثاني بمحاولة دعم المنظومات الصحية للدول التي وجدت نفسها في حاجة إلى مساعدة من قبل قطاع الصحة العسكري؛ لمواجهة هذه الأزمة الخطرة.

ويذهب بعض المحللين إلى أننا نعيش الآن وضعاً يتميّز بمحاولة توظيف الجائحة؛ من أجل إبراز العضلات؛ حيث تواصل الكثير من جيوش العالم عملياتها العسكرية الهادفة إلى تأكيد قوتها واستعدادها لمواجهة كل التحديات الناجمة عن محاولة الخصوم استثمار انشغال قيادات الدول في مكافحة المرض؛ من أجل الحصول على مكاسب استراتيجية. وقد تميز شهر إبريل/ نيسان الماضي بالعديد من محاولات إبراز القوة العسكرية في وقت كانت الجائحة تحصد فيه الكثير من الأرواح في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وفي معظم أصقاع العالم.

وتفيد التقارير في هذا السياق أن الصين أرسلت مع بداية الشهر الماضي، قوات عسكرية كبيرة إلى بحر الصين الجنوبي بالقرب من حاملة الطائرات التابعة لقواتها البحرية؛ من أجل مواجهة التحديات التي تفرضها ظروف الأزمة، والتي تدفع بعض الدول إلى القيام بتحركات استفزازية لاختبار جاهزية الخصوم، وقامت الولايات المتحدة في المرحلة نفسها

بتحريك قاذفاتها الاستراتيجية.

وقد رصد حلف الناتو خلال الشهر الماضي مناورات خطرة لمقاتلات عسكرية روسية يوم 17 إبريل؛ حيث اقتربت هذه المقاتلات من قوات البحرية الأمريكية المتواجدة بالقرب من سواحل ليتوانيا، كما أعلنت موسكو في نهاية الشهر نفسه أنها أطلقت لأول مرة في التاريخ مظليين من على ارتفاع يصل إلى 10 آلاف متر في ظروف جد استثنائية؛

وواصلت القوى الغربية الأخرى أيضاً نشاطاتها العسكرية؛ حيث استأنفت حاملة الطائرات البريطانية أوين إليزابيث نشاطها، وحافظت فرنسا على وجود حاملة الطائرات شارل ديجول في المياه الدولية.

كما تلعب الجيوش العربية في زمن الجائحة دوراً محورياً لمواجهة تفشي المرض بين السكان في مختلف المدن والحواضر العربية؛ إذ قدّم الجيش المصري دعماً وإسناداً كبيرين للأطقم الطبية المدنية، وفي المغرب والأردن وتونس ودول عربية أخرى قامت المؤسسات العسكرية بالعمل على دعم قوات الأمن؛ من أجل السهر على تطبيق إجراءات الحجر والعزل مع إقامة مستشفيات ميدانية من أجل محاصرة بؤر تفشي الوباء، وساهمت القوات الجوية الجزائرية في سياق متصل في تنظيم العديد من الرحلات؛ من أجل جلب المستلزمات الطبية من الصين.

ونستطيع أن نخلص إلى القول إنه وعلاوة على الدور الإيجابي الذي تلعبه جيوش العالم في زمن الجائحة من أجل حماية السكان ومحاصرة المرض، فإن معظم الدول وبخاصة الكبرى منها ما تزال تصرّ على القيام بتوظيف خطر لقواتها العسكرية في ظرف دولي سياسي وصحي في غاية الصعوبة؛ حيث يتواصل التنافس الاستراتيجي بين القوى الرئيسية ويضمحل الأمل بشأن ميلاد عالم جديد قائم على التعاون بين الشعوب؛ من أجل مكافحة الأمراض الخطرة وغير المسبوقة التي باتت تواجهها البشرية. وبالتالي فإنه وقياساً إلى الميزانيات الضخمة التي ما تزال ترصدها معظم دول العالم؛ لتطوير قدراتها العسكرية فإن الميزانية المخصّصة لإيجاد لقاح فاعل للمرض ما تزال متواضعة إلى حد كبير وفق ما ذهب إليه المفكر جاك أطالي الذي طالب الاقتصادات العالمية باعتماد منظومة جديدة سماها «اقتصاد الحياة»؛ من أجل التصدي للأخطار المحدقة بالبشرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"