جمال الخريف

04:32 صباحا
قراءة دقيقتين
ميثا السبوسي

وقفت بجانب نافذتي المطلة على الشارع العام في تلك المدينة الريفية التي تبعد عن لندن ساعة ونصف الساعة..
تهبط درجات الحرارة إلى ما دون مستوياتها سريعاً، بسبب هبوب رياح الشمال الباردة، التي تبشر بقدوم الشتاء..
وكنا وقتها في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر..
سحابٌ كثيفٌ.. تلبّدٌ حجب أشعة الشمس..
تساقطت قطرات المطر..
بدأ يتشكل ضباب خفيف على النافذة من حرارة القهوة التي أمسكها بيدي..
الشارع ممتد.. فأمدّ ناظريّ إلى نهايته..
لأرى، طالباً يستعجل كيلا يصل متأخراً على المحاضرة، في الجامعة في نهاية هذا الشارع..
وفتاة تدفئ يديها بكوب قهوة ساخن..
وامرأة في نهاية عقدها الرابع، تحمل أوراقاً في يدها، وحقيبة حاسب آلي في اليد الأخرى..
كلهم يمشون على عجل..
تأملت الشارع، فامتدت أشجارٌ وارفة الظلال على جانبيه..
بدأت تصفر، وتحول بعضها إلى اللون الأحمر، والبرتقالي..
سقط بعضها بالفعل، غرق في جدول يمر بالقرب منها، ويمر بمحاذاة الشارع..
والبعض تكدس أكوام، لتحتضنه الأرض إلى الأبد..
لترحل إلى البعيد، وقد انتهى وجودها، ودورها في الحياة..
تساقطت لتترك خلفها عيدان تعرّت لبرد الشتاء..
تبتعد الطيور في أسراب،
مؤلم.. هو ذلك الفقد، والرحيل..
علاقات اجتمعت مدة من الزمن..
أشخاص تآلفوا.. انسجمت أرواحهم، استقرت وسكنت في هدوء..
اعتادوا على وجودهم معهم..
ولكن،
رحلوا، غادروا، ولم يستأذنوا..
فقط رحلوا.. ليتركوا فراغاً خلفهم، بارداً كبرد الشمال،
يخبرنا فصل الخريف.. بأن هذه العلاقات تذبل، إذا لم تسق بالعطاء..
فلا تستطيع الاستمرار،
تذكرت البرد في هذه الفترة من السنة، في هذا الموقع الجغرافي من الأرض، والليل الطويل..
العزلة التي تفرض علينا.. العودة إلى الذات، والانفراد بها، ترتيب أولويات الحياة،
لتكتفي كل نفسٌ بنفسها، كأغصان الأشجار العارية،
فيأتي بعد الشتاء ربيعٌ تزهر فيه الأرواح..
تشرق الشمس، لتعيد الحياة التي جمدت..
تنتعش بعد ذلك المروج والحقول..
وتزهر الأزهار..
وتعود الطيور.. لتبعث في الحياة عهداً جديداً.. حياةً أقوى.. ودروساً مستمدة منها..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"