الفرد العلامة

04:54 صباحا
قراءة دقيقتين

صفية الشحي

إن العلامة الشخصية هو مصطلح حديث ظهر عام 1937 في كتاب الاقتصادي والمفكر الشهير نابوليون هيل «فكر وازدد ثراء»، حيث حدد الكاتب أدق التفاصيل التي نحتاج لمعرفتها في رحلتنا لبناء شخصياتنا وتطوير مهاراتنا والاستفادة من خبراتنا لتحقيق السعادة والثراء المعنوي والمادي الذي نحتاج إليه.
تحول هذا المفهوم إلى علم يدرس بعد ظهور النظرية الدرامية لفهم الحياة الاجتماعية لعالم الاجتماع والنفس والكاتب إرفينغ غوفمان عام 1966، التي تناولت الطريقة التي يود الناس أن يراهم بها الآخرون، وظهرت الحاجة للعناية بهذا المفهوم في ذلك الزمن في الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد، بسبب الكثير من المتغيرات التي طالت سوق العمل، حتى أن كثراً وجدوا أنفسهم في حالة ضياع بسبب فقدهم وظائفهم واستقرارهم الأسري والمالي، ومن هنا ولدت الحاجة إلى مساءلة الذات والغايات والأهداف والقيم الفردية.
«كل شخص منا هو مدير نفسه التنفيذي» كما يقول توم يترز، وربما تستدعي هذه الأزمة التي يمر بها العالم اهتمام الأفراد بهذه الفكرة أكثر من أي وقت مضى، وبناء علامات شخصية بارزة تفتح لهم أبواب الفرص في مساحات مهنية وتخصصية جديدة انطلاقاً من مهارتهم وخبراتهم، خاصة أن القطاعات المختلفة تشهد تغيرات جذرية، بل إن القوانين تسن في بعض الحكومات لتغيير أصول لعبة تصنيف الموظفين لا وفقاً لتحصيلهم الأكاديمي وحسب، بل ربما حسب ما يملكونه من مهارات مهنية، وبالتالي الأثر الذي يمكن أن يحدثه ذلك في الإنتاج.
هوس الشبكات لم يعد سمة فردية اجتماعية خالصة، بل تحول إلى ركن أساس في رسم مسار مستقبل الفرد المهني. ولقد استحدثت الشركات تقنيات جديدة للتوظيف تعتمد فيها كثيراً على حضور الأفراد وسمات علاماتهم الشخصية، خصوصاً في ظل الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي، لتتبع البصمات الرقمية لمن يراد توظيفه أو ترقيته، حيث تشير دراسة أجرتها شركة «وركبوليز» الفرنسية إلى أن 93% من أرباب العمل يبحثون عن المرشحين للوظائف عبر الشبكة ويعتبرون «غير الحاضرين رقمياً» منهم غير مؤهلين للوظائف، ويبحث 51% عن الأشخاص الذين يتناسبون وثقافة الشركة، أما 44% فيبحثون عن عامل الإبداع، وتلك أمور يتم الانتباه لها من خلال الصور والمعلومات وطريقة التواصل والمنشورات ومقاطع الفيديو ومجموعات الأصدقاء والمتابعين وحتى أسلوب الكتابة والعرض.
إن مفهوم العلامة الشخصية لا يجب أن يكون طارئاً على حياة الناس بل أسلوباً للحياة والتطور والتعلم والعمل والابتكار، وهي مهارة أساسية لا غنى عنها عندما نفكر بطموحات مجتمعاتنا وسعيها للتفرد في الميدان العالمي في اللحظة الراهنة والمستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"