حرب كلامية وضحايا يتزايدون

04:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تثير الحرب السياسية والدبلوماسية والإعلامية الشعواء بين الصين وأمريكا العجب، وهي تدور حول مصدر وباء الفيروس التاجي والمعلومات التي تأخر توفيرها وتداولها حول ظهور الوباء. ومبعث العجب أن خطر هذا المرض ما زال قائماً وداهماً، وأن الأولوية في هذه الظروف تكمن في مكافحته والحد من انتشاره الذي يتسبب في المزيد من الضحايا.
وواقع الحال أن الفتور الذي طبع العلاقات بين الدولتين الكبيرتين، قبل ظهور الوباء، قد انعكس لاحقاً على السجال الحاد بينهما والذي يتوالى فصولاً، لدرجة أن الرئيس دونالد ترامب يعتبر أن بكين تسعى لإفشال حظوظه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر من العام الجاري، وهو مما يُلقي بظلاله على المواجهة القائمة حالياً، وبخاصة أن الدوائر النافذة في واشنطن تضع الصين في مقدمة خصوم، بل أعداء أمريكا، فيما تحافظ الصين على نبرة عداء إيديولوجي تجاه الغرب عموماً وأمريكا على الخصوص، وإن بنبرة أخف وبوتيرة أقل إلحاحاً عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود مثلاً. كما يسترعي الانتباه أن دوائر عديدة في الغرب، في فرنسا وبريطانيا تشارك واشنطن تساؤلاتها حول ظروف ظهور الوباء وتُلقي باللائمة في ذلك على بكين.
وقد انعكس الخلاف الأمريكي الصيني على منظمة الصحة العالمية حيث أوقفت واشنطن مساهمتها في المنظمة، إذ تتهمها واشنطن بأنها تمالئ الصين. وكان رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم قد توجه إلى بكين أواخر يناير الماضي، للوقوف على ظروف ظهور كوفيد 19 ومدى انتشاره. كما استقبلت بكين في فبراير الماضي خبراء وعلماء من ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية ونيجيريا وروسيا وسنغافورة
والولايات المتحدة لتدارس ظروف بروز المرض، غير أن منظمة الصحة العالمية لم تكن في عداد وفد العلماء الدوليين. وفي الأيام القليلة الماضية دعت المنظمة بكين، تحت «ضغوط» سياسية وإعلامية غربية وأمريكية، كي تتمكن من المشاركة في التحقيقات الصينية التي لم تتوقف عن ظروف ظهور الوباء. ويتوقع أن تستجيب بكين لهذا الطلب.
ورغم أن الجهات الطبية والبحثية والأمنية في واشنطن، لم تتوصل إلى نتيجة تفيد أن الفيروس انطلق من مختبر ووهان لأبحاث الفيروسات، إلاّ أن الرئيس ترامب يشكك بأنه قد تكون لدى الصين مختبرات سرية. وهنا تتمحور نقطة الخلاف الرئيسية، فالصين لا تنكر أن الوباء ظهر عندها، لكنها تنفي أي تصنيع أو تخليق له في المختبرات.
ومن المثير للاستغراب الشديد في هذه الآونة أن تمعن واشنطن في تسييس المسألة، وأن تصورها على أنها شكل من أشكال الحرب عليها، وأن تربطها بالانتخابات الرئاسية، بدلاً من تكثيف الجهود لسد الثغرات في النظام الطبي الأمريكي وتقليص فرص انتشار الوباء الذي ما زال في ذروته في أمريكا وأوروبا. وأن يتطوع رجل مثل هنري كيسنجر للتبشير بحرب أمريكية صينية وهي هواجس يحتفظ بها هذا الدبلوماسي المؤرخ منذ حقبة الحرب الباردة، بغير تعديل عليها. ومن دون منح مكافحة الوباء الأولوية التي تستحقها في هذه الآونة المصيرية.
أما الصين فإنها تتلقى من جهتها مثل بقية دول العالم أضراراً اقتصادية هائلة، وتجد نفسها في موقف دفاعي، وذلك نتيجة نقص الشفافية الموروثة من عهود سابقة، مع تعديلات طفيفة عليها. وذلك حين تكتمت في الأسابيع الثلاثة الأولى من ديسمبر الماضي على أنباء ظهور الفيروس الجديد وعاقبت من حذّر من وجوده، ويفاقم من ذلك غياب المتابعين الإعلاميين المستقلين والتقييدات الصينية على نشاطهم، علاوة على خضوع الشبكة العنكبوتية عموماً ومنصات التواصل الاجتماعي خصوصاً للرقابة في هذا البلد، الذي يشهد منذ عقدين على الأقل انفتاحاً اقتصادياً لا يواكبه سوى أقل انفتاح سياسي وإعلامي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"