صراع بيلاروسيا الدولي

03:05 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

توحي الاضطرابات التي تشهدها بيلاروسيا منذ أكثر من شهر، بأنها تحت السيطرة وستنتهي بالإبقاء على الوضع القائم، لكن المؤشرات تحيل إلى احتمال التصعيد وخروج الأوضاع عن سياقها الأول المتعلق بخلاف بين النظام ومعارضيه، إلى ساحة جديدة للصراع الدائر بين روسيا والغرب، ويبدو أن كل الوقائع تدفع باتجاه هذا المصير.

منذ البدء وُلدت الأزمة السياسية كبيرة وتأججت بالإعلان عن فوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بولاية سادسة، وهو ما استدعى رداً عارماً من المعارضة التي رفضت الاعتراف بالنتيجة وطالبت الرئيس بالتنحي. وطغت على مدار خمسة أسابيع احتجاجات وأعمال عنف واعتقالات لتشكل أزمة دولية جديدة بين الغرب الأمريكي والأوروبي من جهة وروسيا من جهة أخرى. وبعدما لوحت موسكو بالتدخل العسكري إذا لزم الأمر، بدأ يطل من الأفق شبح ما حصل في جورجيا عام 2008 وأوكرانيا 2014، وهو أمر لا يستبعده أي مراقب بالنظر إلى حيوية بيلاروسيا بالنسبة إلى الأمن القومي الروسي، مثلما هي مطمع قديم للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الذي يعزز قواته، بقيادة أمريكية، في بولندا ويطمح إلى التوسع شرقاً مقترباً من الخطوط الحمراء الروسية، وآخرها المناورات الخطيرة في جمهورية إستونيا.

في ظل هذا المشهد، لم تعد قضية بيلاروسيا «أزمة ديمقراطية» محلية، بل تجاوزتها إلى أبعاد استراتيجية قد تتطور إلى الأسوأ في مقبل الأيام إذا لم يتم بناء حل سياسي مثل إعادة الانتخابات بشرط ألا تفرز نظاماً يخرج عن فلك موسكو العازمة على التصدي بحزم لكل عوامل الاهتزاز في جوارها، وهو أمر يعرفه الغرب جيداً ولا يملك القدرة على تحديه مباشرة حتى لا يقع المحظور.

لوكاشينكو، الذي يعد رأس الأزمة، لا يعني الكثير لروسيا ويمكنها التخلي عنه لصالح حليف أشد قرباً، لا سيما أن المعارضة في مينسك لا مصلحة لها في استعداء جارها الشرقي الكبير. فقبل الانتخابات المثيرة للجدل اتهم لوكاشينكو موسكو بإرسال 32 «مقاتلاً» لدعم معارضيه، وبعدما تقلبت الأحوال احتمى بالمظلة الروسية، محملاً الولايات المتحدة والدول المجاورة مسؤولية تأجيج الاحتجاجات في بلاده عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وهو ما يلقى هوى في نفوس المتوجسين من مؤامرات «الثورات الملونة» التي عول عليها الغرب في عهد مضى لتطويع الدول الشيوعية السابقة، ثم الانتقال إلى روسيا وتفككها تماماً كما انهار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثين عاماً.

لكل هذه الأسباب ستظل أزمة بيلاروسيا معقدة، وقد تشكل فرصة سيئة لمزيد من التجاذب الدولي غير المحمود في مثل هذه الظروف المتشعبة على الصعد كافة. فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، منقسم على نفسه ولم يعد يمتلك خطة واضحة للتعامل مع القضايا الراهنة، على عكس القوى الأخرى، وأساساً روسيا والصين، اللتين يبدو أنهما مستعدتان لكل هذه التطورات وحزمتا أمرهما على تغيير التوازنات العالمية وعدم السماح بأي تجاوزات على ما تراه حقوقهما ومصالحهما الاستراتيجية ومستقبلهما الذي لا يقبل المساومة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"