قرع أبواب المستقبل ورحل

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

انطوان زحلان اسم لا يعرفه، أحد في عالمنا العربي مع أنه أفنى سنوات عمره من أجل رفع مستوى التقدم العلمي والبحث في سبل وضع الأمة على طريق التقدم واكتساب التقنية، وقد توفي زحلان في مطلع الشهر الجاري في بيروت عن عمر ناهز ال 92 عاماً وهو يُعتبر من أبرز علماء العرب في مجال العلوم التطبيقية، والعلاقة بين العلوم والمجتمع، وبين العلوم والتقدم، ومسؤولية العلماء الاجتماعية، وفي مجال توطين منظومات العلم في الدول العربية.
كما أنه من أبرز الباحثين العرب في الدراسات المستقبلية، ويتميّز بنزوعه القومي وتطلعه إلى نهضة عربية تقوم على العلم والتقانة والثقافة والمواطنة. وقد ولد زحلان في مدينة حيفا، ودرس فيها ثم انتقل للدراسة في القدس، وبعد الهجرة أكمل تعليمه في لبنان في الجامعة الأمريكية ثم التحق لدراسة الفيزياء في الولايات المتحدة وعمل أستاذاً ورئيساً لدائرة الفيزياء في كلية العلوم التابعة للجامعة الأمريكية. وكان في أواخر الستينات مع وليد الخالدي وبرهان الدجاني طرحوا على الملك حسين في عمّان فكرة تأسيس جمعية علمية تُعنى بالفجوة الكبرى في المعرفة العلمية بين العالمين العربي والغربي التي اتضحت خلال نكسة حرب حزيران/يونيو 1967.
وقد رحّب الملك بالفكرة مشترطاً أن ينضم الثلاثة إلى مجلس أمناء الجمعية، فاستقال زحلان من عمله في الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1969 ليتولى منصب المدير التنفيذي للجمعية التي حملت اسم الجمعية العلمية الملكية (القائمة إلى الآن). وبعد أحداث 1970 المأساوية في الأردن انسحب الزملاء الثلاثة من الجمعية وعاد زحلان إلى عمله في الجامعة الأمريكية في بيروت. وفي سنة 1973، تمّ الاتفاق بين الثلاثي ذاته ورجل الأعمال الفلسطيني حسيب الصبّاغ على القيام بمحاولة ثانية لتنفيذ الفكرة التي قامت عليها الجمعية العلمية في عمّان مع الفارق أن يكون الراعي هو الصبّاغ نفسه، وأن تكون المؤسسة الجديدة، «المشاريع والإنماء العربي» مؤسسة تجارية لكن غير ربحية، بمعنى أن تعود جميع أرباحها لتنمية أعمال المؤسسة حصراً.
لكن اندلاع الحرب في لبنان أوقف الجمعية وكان زحلان قد أنجز في سنة 1975 وثيقة استشرافية متميزة بعنوان: «مستقبل العالم العربي سنة 2000»، كما انتُخب، في السنة نفسها، رئيساً للجمعية الفيزيائية العربية. وخلال سنتي 1976 و1978 عمل زحلان بصفة زميل زائر في جامعة ساسكس، بالقرب من مدينة برايتون البريطانية. وتركزت أبحاث زحلان على المستقبل العربي في كثير من المجالات ووضع أيضاً ميثاق العمل الاقتصادي العربي في السبعينات وعشرات الأبحاث والدراسات التي ظلت في أغلب الأحيان حبراً على ورق رغم أن دافعه كان سد الفجوة العلمية التي تفصلنا عن الغرب. وظل زحلان الرائد في علم المستقبليات عربياً وهو علم حديث نشأ عملياً في النصف الثاني من الخمسين.
والدراسات المستقبلية لا تستند إلى التنبؤ بالمستقبل كما لو أنه حدثٌ مستقل قائم بالفعل، بل تستند في عملها إلى المعرفة المرتكزة على العقل طبقاً لنظرية ابن رشد، وتساعد على صنع مستقبل أفضل، وذلك بفضل ما تؤمنه من منافع متعددة من أهمها اكتشاف المشكلات قبل وقوعها ومن ثم التهيؤ لمواجهتها. فالعرب في حاجة إلى مستقبليات وسيناريوهات وتنظيم لمواجهة العصر الرقمي للعقود المقبلة، وفي حاجة إلى دراسات مستقبلية لمعرفة خريطة المستقبل وتنشيط دور البحث للخروج بالدراسات المستقبلية من دائرة الفهم إلى التطبيق والممارسة ومعالجة قضايا علمية عملية
هذا يتطلب تأسيس قاعدة معلومات تستند إلى المعرفة العلمية المتقدمة والاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة، لأن إنتاج المعلومات هي القوة الرئيسية للعصر، والأداة الأهم للإنسان في التواصل والتخزين والمعالجة وتحقيق المردود الاقتصادي والفكري، بمعنى أنّ المستقبل سيكون لصالح من ينتج المعلومة ويطورها، فالمعوقات التي تواجه المنطقة العربية كثيرة ومتعددة، الأمر الذي يجعلها من أقل دول العالم استفادة من الثورة الرقمية، ويتعلق بعض هذه الصعوبات بقلة الإمكانيات قياساً بمتطلبات التطور التكنولوجي وتكاليفه الكبيرة إضافة إلى انتشار الأمية في المنطقة العربية التي تصل 44 في المئة من مجمل السكان، وارتفاع نسب الفقر التي تصل في بعض الأقطار العربية إلى 60 في المئة، كما أن التفكير الغيبي بدل العقلي ما زال مهيمناً في العالم العربي بفعل كون الطبقة المثقفة والعلمية رهينة لدى النظام السياسي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"