لقاح «كورونا» بين التجارة والإنسانية

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

مع تفاقم الأوضاع الصحية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية، بسبب تمدد وباء «كورونا» في عدد من دول العالم، أصبحت الأنظار تتجه نحو المختبرات العلمية التي وصلت فيها الأبحاث إلى مراحل متقدمة؛ حيث بدأت الكثير منها في إصدار تقارير تبشّر بتقدم كبير على هذا المستوى.
وهكذا، أكدت منظمة الصحة العالمية، أن هناك أكثر من 200 لقاح قيد التجربة في هذا الخصوص، 26 منها وصلت إلى مرحلة التجارب السّريرية على البشر، وأمام هذه التطورات، طرحت العديد من الأسئلة. فأمام خطر شلّ الحياة الاقتصادية عالمياً؛ حيث أصبح يهدد الإنسانية جمعاء، هل يمثل تعدد التجارب أمراً صحياً، يعزز التنافس، لتحقيق سبق علمي، سيسجله التاريخ؟ أم أن في ذلك هدر للإمكانيات وللوقت، أمام خطر متسارع يقتضي التنسيق والتضامن؟ وهل ستتاح اللقاحات في حال توفرها بالنسبة للدول الفقيرة، بأثمان في المتناول، أم أن هاجس الربح سيطغى على حساب المعاناة الإنسانية؟ وهل يمكن القبول بتحقيق ربح في هذا الخصوص، أمام جائحة خطِرة عابرة للحدود، علماً بأن الكثير من الدول خصصت تمويلات ومنحاً كبيرة، لإجراء البحوث المتعلقة بهذا الشأن، مصدرها الضرائب التي يؤديها المواطنون؟
تتضارب وتتباين الأجوبة الواردة بشأن هذه الأسئلة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه البعض ضرورة تنسيق الجهود العلمية والمبادرات الدولية، وتجنيد الإمكانيات المالية والتقنية، على طريق تعزيز الأبحاث، في أفق طرح لقاح غير مكلف، يتيح وقف تمدد الوباء وعودة الحياة إلى طبيعتها، يعتبر البعض الآخر، أن تنويع اللقاحات بين مختلف المختبرات والشركات، هو مدخل سليم سيدعم التعاطي مع الموضوع من زوايا متعددة، ستغني حقل التجارب، وتوسع من هوامشها نجاحها، في إطار من التنافس، الذي سيسمح بتسريع وتيرة الأبحاث، ويدعم الجهود الرامية إلى انحسار الوباء ووقف خطره.
وعلى الرغم من القصور الملحوظ الذي طبع تعاطي منظمة الصحة العالمية مع الجائحة في بداياتها، فقد أطلقت قبل بضعة أسابيع تجربة «التضامن» السريرية، كسبيل لدعم الجهود الدولية في إيجاد علاج ناجع لمرض كورونا، وتتمحور هذه المبادرة حول اعتماد مقارنة بين عدد من الخيارات العلاجية بعدد من البلدان، لتقييم الأنجع منها، على مستوى القضاء على الفيروس، والمساعدة في التوصل السريع إلى طرح أدوية فاعلة في هذا الخصوص. كما طالبت دول العالم بتوفير نحو 100 مليار دولار كدعم يساعد على إيجاد لقاح للوباء، والحد من تفشيه.
وفي نفس السياق، دعا الملياردير «بيل غيتس» إلى إنتاج اللقاح داخل البلدان النامية، محذراً من أن هذه الأخيرة، لن تتمكن من الحصول على اللقاح في الوقت المطلوب، في حال خضوعه لمنطق السوق التجارية ما سيعمق الأوضاع الصحية والاجتماعية أكثر، فيما اعتبر الأمين العام الأممي أنطونيو جوتريس، أن اللقاح ضد فيروس «كوفيد 19» يمثل «منفعة عامة عالمية»، ومن جانبها عبّرت بعض دول الاتحاد الأوروبي، ومؤسسة «بيل غيتس» عن توجهها نحو جمع أكثر من 8 مليارات يورو لصالح منظمة الصحة العالمية، كسبيل لإحداث وكالة دولية تعمل على توفير اللقاحات والأدوية لدول العالم قاطبة.
وضعت الجائحة مجموعة من القيم والمبادئ المتصلة بالتعاون والتضامن الدوليين، على محك الواقع، ففي مقابل هذه الجهود البناءة، فضّلت الكثير من الدول الكبرى التعاطي مع الأزمة من منظور المصالح الضيقة، والانكفاء على الذات، ووصل الأمر إلى حد منع تصدير الآليات الطبية نحو الخارج. وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق بوباء عالمي عابر للحدود، فقد أكدت الكثير من الدول، كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة، وعدد من البلدان الأوروبية، ضرورة إعطاء الأولوية للحاجيات الداخلية من اللقاح أولاً، بعد إنتاجه.
وفيما يعتبر الكثير من الخبراء والمهتمين أن خطورة الأمر تقتضي تخلي الشركات المنتجة عن هامش الربح، في سبيل إيصال الأدوية واللقاحات إلى الفئات المجتمعية، وإلى كل الدول الفقيرة؛ حيث تتضاعف المعاناة الصحية، بوجود إشكالات اقتصادية واجتماعية وبيئية أكثر قساوة، تبرر الكثير من شركات الأدوية العالمية توجهها إلى تحقيق الربح من وراء هذه اللقاحات، بنيتها في توظيف ذلك لتطوير البحوث العلمية.
بين نظرة متشائمة تنخرط فيها حتى منظمة الصحة العالمية ترى بأنه لا مجال للقاح فعال إلا بعد حلول عام 2021، وبخاصة أن تطوير لقاحات سابقة ضد عدد من الفيروسات الخطِرة، تطلب مدداً تجاوزت العقدين من الزمن أحياناً؛ حيث يؤكد الكثير من الخبراء والمختصين أن تطوير اللقاحات لا يخلو من صعوبات وتعقيدات جمّة، تنضاف إلى كلفته العالية مادياً، ونظرة متفائلة ترى في تقدم الأبحاث الجارية، وبلوغها إلى مستويات جيدة، مؤشراً في اقتراب طرح لقاح قد ينهي المأساة الإنسانية.
شكّل الإعلان البدء في إنتاج اللقاح الروسي، الذي تم إطلاق اسم «سبوتنيك 5» عليه، بارقة أمل في هذا الخصوص. على الرغم من الانتقادات الغربية التي شكّكت في نجاعته وشروط سلامته، وقد سارعت العديد من البلدان نحو إبرام عقود وصفقات للحصول على اللقاح قبل خروجه إلى حيز الوجود.
بغض النظر عن الوقت الذي سيكون فيه اللقاح جاهزاً، وعن الدولة التي سيكون لها السبق في هذا الخصوص، فالواضح أن هذه المرحلة ستمثل محطة حاسمة لقياس مستوى الرقي الإنساني لدى الكثير من الدول المتقدمة التي طالما تبجحت بالدفاع عن حقوق الإنسان.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"