الأفق المسدود في الساحل الإفريقي

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

هناك مخاوف من إمكانية تجنيد أنقرة لخلايا تنظيم «داعش» في الساحل، من أجل استعماله ورقة مقايضة في صراعها مع الدول الأوروبية على النفوذ في شرق المتوسط.

تجري في المرحلة الراهنة حرب صامتة شمالي مالي والنيجر بين القوات الفرنسية والتنظيمات الإرهابية المسلحة في المنطقة بعيداً عن اهتمام المجتمع الدولي، وقد أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، في عز الأزمة الصحية العالمية، مقتل زعيم ما يسمى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عبد المالك دروكدال في عملية عسكرية نفذتها القوات الفرنسية الخاصة في منطقة الطوارق شمالي مالي بداية يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد أقل من شهر على إعلان القوات الفرنسية إلقاء القبض على زعيم تنظيم «داعش» في منطقة الساحل في مايو/أيار الماضي. وجاءت هذه العمليات العسكرية الفرنسية التي وصفت بالناجحة، بعد مرور 7 سنوات على التدخل العسكري الفرنسي في مالي، الذي شهد كثيراً من الإخفاقات وتكبدت خلاله القوات الفرنسية خسائر مؤلمة.

ويذهب مراقبون إلى أن هذا الإنجاز العسكري على الرغم من أهميته بالنسبة للجيش الفرنسي الذي كان يشعر بالإحباط، ويتعرّض لحرب استنزاف في الساحل، فإنه من الصعب استثماره سياسياً لفائدة باريس، من أجل دعم سلطة حلفائها في المنطقة لاسيما في مالي والنيجر وبوركينافاسو التي تشهد تفككاً لمؤسسات الدولة، وتراجعاً لقدرة أجهزتها الأمنية على فرض سلطتها على كامل ترابها الوطني. كما أن القوات الإفريقية التي شكلتها فرنسا في سياق «مجموعة 5 ساحل»، مازالت عاجزة حتى الآن عن محاربة المجموعات الإرهابية.

وبالتالي، فإن هناك قناعة لدى العديد من المتابعين لشؤون التنظيمات الإرهابية في المنطقة، بأن مقتل دروكدال لن يسهم في استقرار الساحل، وسيكون بمثابة حافز لهذه التنظيمات من أجل تسريع إعادة تنظيم صفوفها وفق أسس جديدة، لاسيما أنها مخترقة في أغلبيتها من طرف أجهزة استخبارات أجنبية إقليمية ودولية، تمتلك أجندات سياسية وعسكرية متعارضة؛ إذ إنه إذا كان تنظيما «القاعدة» و«داعش» يحملان طابعاً دولياً، فإن حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا تتبنى أجندة إقليمية، بينما تركز حركة أنصار الدين على منطقة الطوارق شمالي مالي. وعليه فإن الوضع الجديد سيكون مفتوحاً أمام تحالفات غير متوقعة بين كل هذه التنظيمات الإرهابية.

وهناك في المرحلة الراهنة مقاربات وتحليلات متعددة بشأن الوضع في الساحل في سياق الصراع بين القوى الدولية والإقليمية، حيث إن روسيا على الرغم من حضورها المتواضع في المنطقة، فإنها تراقب الوضع عن كثب.

أما الولايات المتحدة فحتى وإن تراجع تركيزها على إفريقيا، إلا أنها مازالت تمتلك قدرات لوجستية كبرى من خلال قيادة «أفريكوم» التي قدمت دعماً استخباراتياً للقوات الفرنسية، سمح لها بالقضاء على دروكدال. ويظل الصراع الأكبر في المنطقة متعلقاً باختلاف الأجندات السياسية بين باريس والجزائر، فبينما ترى فرنسا أن وجودها العسكري شمالي مالي يهدف إلى الدفاع عن دول المنطقة، فإن الجزائر ترى أن هذا الوجود يقدم مبررات عقائدية للمقاتلين المتشددين الذين يدّعون محاربة الوجود الفرنسي في المنطقة.

وفضلاً عن كل المعطيات التي أتينا على ذكرها، فإن تطور الأحداث في ليبيا من خلال تسارع وتيرة التدخل التركي، ورغبة أنقرة في إقامة قواعد عسكرية في ليبيا، تشكِّل في مجملها عوامل من شأنها أن تزيد الوضع تعقيداً، من منطلق أن الحضور العسكري التركي في ليبيا سيقودها إلى الانتقال إلى فزان في الجنوب الليبي، لتصبح في تماس مباشر مع فرنسا في النيجر والتشاد، وهذا ما يدفع بعض الأطراف إلى التخوف من إمكانية تجنيد أنقرة لخلايا تنظيم «داعش» في الساحل، من أجل استعماله ورقة مقايضة في صراعها مع الدول الأوروبية على النفوذ في شرق المتوسط؛ لذلك فإن الجزائر تسعى في ظل كل هذه التحولات إلى تعديل دستورها للسماح لجيشها بالتدخل خارج الحدود، للدفاع عن مصالحها في محيط إقليمي شديد الاضطراب.

ويمكن القول في الأخير، إن الأفق المسدود في الساحل الإفريقي لا يرتبط فقط بوجود عدد هائل من المجموعات الإرهابية، ولكنه يتصل أيضاً بغياب إرادة سياسية إفريقية حقيقية، من أجل إيجاد حلول سياسية قادرة على توفير الاستقرار في المنطقة، لاسيما أن سلطة الدول الوطنية في الساحل تشهد تراجعاً مقلقاً، وتعجز عن مواجهة الصعود المتواصل لنفوذ القبائل وزعماء الأقليات العرقية. ومن ثمة، فإن الأمور مرشحة إلى مزيد من الفوضى مع غياب فرص حقيقية للتنمية، وفي ظل تزايد النمو السكاني وتضاعف موجات الهجرة السرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"