ما لـ «قيصر» وما عليه

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

من الغباء التصديق بأن واشنطن، التي لا يخفى دورها في تأجيج الأزمة السورية، تسعى إلى المحافظة على مصالح الشعب السوري.

بغض النظر عن مشروعية العقوبات الأمريكية، التي تفرض على الدول الأخرى، أو عدم مشروعيتها، فإن اللافت في الأمر أن هذه العقوبات، لا تُلحق الضرر بالحكومات، بمقدار ما تلحقه من أضرار بالشعوب التي تقع دولها تحت سيف هذه العقوبات، التي لا تتسم في أغلب الأحيان بأي قدر من الموضوعية أو الشفافية.

فكما هو ملاحظ عبر التاريخ، فإن العقوبات، كانت وما تزال وسيلة الضغط الأبرز، على الدول التي تتعارض سياساتها مع الولايات المتحدة، في وقت تفترض فيه الأخيرة، أنها سيدة العالم، وأنها هي من يجب أن يتحكم في مسارات السياسة الدولية، والعلاقات بين الدول، وأنها هي التي تحدد ما يجب على الدول الأخرى فعله، بواسطة الضغوط الاقتصادية، والسياسية، التي قد تصل إلى مرحلة استخدام القوة العسكرية، ضد أي دولة لا تتماشى مع ما تسميه واشنطن المصالح الحيوية الأمريكية، والتي تعني بالمفهوم الأمريكي استمرار الولايات المتحدة في الهيمنة على العالم، تحت الكثير من الذرائع والحجج الواهية، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وخضوع العالم لما يمكن تسميته الأحادية القطبية، على الرغم من أن كل المؤشرات تقود إلى أن نظاماً عالمياً جديداً متعدد الأقطاب، آخذ في الظهور، وهو ما تصر واشنطن على رفضه بكل الوسائل، ويعد أحد أسباب الخلاف الصيني الأمريكي المستفحل.

ولو عدنا إلى الوراء نلاحظ أن الكثير من الأنظمة السياسية التي استهدفتها العقوبات الأمريكية، لم تسقط، وأن المتضرر الأكبر كان الشعوب، التي دفعت فاتورة هذه العقوبات من دمها، فالشعب الكوبي هو من تضرر بعقوبات أمريكا على بلاده، على مدى عشرات السنين، ومثله تضرر الشعب العراقي، الذي خضع لسنوات طويلة تحت سيف العقوبات، قبل غزوه، ما تسبب بموت مئات الآلاف من الأطفال العراقيين؛ بسبب سوء التغذية أو نقص الأدوية، وغيرها من ضرورات الحياة الأساسية، وهناك بالتأكيد أمثلة كثيرة يمكن ذكرها في هذا الشأن. واليوم وبعد سنوات من الجدل يوضع قانون «قيصر» الأمريكي، بنسخته النهائية، قيد التنفيذ؛ بهدف تثبيت سلسلة طويلة قديمة من العقوبات الأمريكية المفروضة أصلاً على سوريا، في مراحل مختلفة، منذ ثمانينات القرن الماضي حتى سنوات الحرب الحالية، إضافة إلى ترجمة عمليةٍ «قانونية» لتهديدات وضغوطات لطالما أطلقتها واشنطن ضد كل من يسعى إلى التعاون مع الحكومة السورية.

ولعل الجديد في هذا القانون هو تضمينه لبنود مختصّة بحلفاء دمشق، في موسكو وطهران وبيروت، والتهديد بمنعهم من الانخراط في جهود إعادة الإعمار، ودعم الحكومة في قطاعات مختلفة. ورفع كُلفة الصمود في وجه الإرادة الأمريكية إلى حدها الأقصى.

وعلى الرغم من أن أحداً لا يمكنه الدفاع عن الذين يشتبه في تورطهم في جرائم خلال الأزمة السورية، فإن من الغباء التصديق بأن واشنطن، التي لا يخفى دورها في تأجيج الأزمة السورية، تسعى إلى المحافظة على مصالح الشعب السوري، في ظل إدارة يمينية متطرفة، لم تتورع عن سرقة النفط السوري في وضح النهار، وحرمان الدولة السورية، أحد أهم مصادر الثروة التي تمتلكها، وإطالة أمد الأزمة السورية، واستخدام الساحة السورية، كساحة لتصفية الحسابات بينها، وبين دول أخرى معروفة، لكل من يقرأ المشهد السياسي السوري، ناهيك عن التطابق الكبير بين السياسة الأمريكية العدائية ضد العرب، مع السياسة «الإسرائيلية»، وتطابق أهداف الطرفين في هذه المنطقة.

ولعل أخطر ما في قانون قيصر الأمريكي، هو استهدافه مجالات حيوية مثل مشاريع البناء والهندسة، وصناعة الطاقة، وقطاع النقل الجوي. وهذا يعني ببساطة أن هناك ثلاثة قطاعات اقتصادية أساسية ستكون تحت تهديد عقوبات البنك الفيدرالي الأمريكي؟

أولها: التجارة الخارجية من خلال منع توريد ما تحتاج إليه مؤسسات الحكومة السورية من تجهيزات وقطع تبديل وسلع غير غذائية. ثانيها: الاستثمار المحلي أو الأجنبي المشترك أو الداعم للحكومة ولا سيما في مجالات البناء والهندسة والطاقة، إضافة إلى القطاعات المتعلقة بالتمويل والذي يشمل القروض والمساعدات والحوالات المالية.

ولذلك فإن الكثير من المراقبين يرون أن قانون قيصر يحمل أيضاً رسائل إلى كل من إيران وروسيا، ورسائل تهديد إلى دول أخرى قد تفكر في الاستثمار في سوريا في إطار إعادة الإعمار، ومنها بالتأكيد دول الاتحاد الأوروبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"