هل نعرف الفرق؟

04:45 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

أبرز الأهداف التي تقوم عليها منصات التواصل الاجتماعي المختلفة تتمحور حول تحقيق المزيد من التفاعل، والنمو والربح من خلال استخدام تقنيات إقناعية مثل: المعاملة بالمثل، الالتزام والاتساق، الدليل الاجتماعي، تعزيز الإعجاب والسلطة، وهي أساليب يستخدمها مجموعة من «المتخصصين في تغيير السلوك» أثناء تطويرهم للمنصات وإضافة الكثير من عناصر الجذب مثل «زر الإعجاب» في منصة «الفيسبوك» الذي ابتكره المبرمج الأمريكي المهندس جاستن روزنشتاين عام 2007، لتحقيق الدعم بين مجموعات الأصدقاء المستخدمين، ليتحول لاحقاً إلى نوع من الإدمان الاجتماعي، لتنحرف أخيراً عن مسارها، وتتحول إلى أداة لقياس المشاعر، واستغلالها لأغراض تجارية وسياسية أخرى.

إن هذه الأدوات التي يتم تطويرها باستخدام محركات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تقبع بصبر لفترة طويلة حتى يتم اكتشافها من قبل أحد المستخدمين، فتتحول إلى ظاهرة تشتعل عبر الشبكة لتلتهم أوقاتنا فيما يشبه حالة من الإدمان الجماعي، فنصبح «أدوات» يتم المزايدة على مشاعرها وخصوصياتها وحالات «الفراغ والخواء» التي يمر بها المستخدمون الأصغر سناً على وجه الخصوص، والذين ترتفع بينهم حالات الاكتئاب والقلق؛ بسبب تعرضهم للكثير من الضغوط الاجتماعية مثل التنمر الإلكتروني والفضول المرضي والاستهلاك المفرط.

كذلك هناك استراتيجيات تعتمد على نظام «توصيات الخوارزميات» التي تستغل ضعف البشر تجاه أفكار مثل «نظريات المؤامرة» والتي تروج للأخبار المزيفة على الشبكة التي يرتفع معدل انتشارها بست مرات عن الأخبار الحقيقية؛ إذ إن الحقيقة تعتبر مملة مقارنة بالإثارة التي يمكن حصدها من انتشار الشائعات، وربما كانت جائحة «كورونا» أكبر مثال على تأجيج الأخبار المغلوطة لحالات الفزع، مما خلق اتجاهات متطرفة في هذا النظام الإيكولوجي الجديد.

إن مجانية هذه التجربة الاجتماعية الافتراضية - ظاهرياً - وتوفرها للمستخدمين من كل الفئات ترفع من نسبة خطر وقوعها بين أيدي مراهقين غير مدركين للفلسفة من ورائها، أو أصحاب مصالح ترمي للمزيد من التحكم في خيارات الناس وتوجهاتهم، وتمثل قضايا مثل انتخابات «ميانمار ٢٠٢٠» - على سبيل الذكر لا الحصر - أنموذجاً صارخاً لآلية تسييس مختلف أنشطة الناس اليومية، وخصوصاً إذا كانت منصة اجتماعية مثل الفيسبوك هي المصدر الأساسي للمعلومات بالنسبة للعامة، تسمح بنشر محتوى محرض على العنف بين أفراد المجتمع الميانماري، وهذه أحد الأدلة على أزمة الثقة والتواصل التي تطوح بالإنسانية في كل الاتجاهات، بسبب إساءة استخدام المحتوى الرقمي على المنصات الرقمية.

إن ما يمثل تهديداً وجودياً في ظل تزايد أنماط التداخل البشري التكنولوجي في الحياة اليومية، الأدوات ذاتها والتي أصبحت أكثر ذكاءً وتكيفاً وقدرة على استخراج أسوأ ما فينا، وما يثير القلق هو ليس قوة تأثير الأداة وحسب، بل عدم قدرة ملايين المستخدمين حول العالم على معرفة الفرق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"