أجندة مختلفة للدراسات المستقبلية

02:59 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

إعطاء الأولوية القصوى للمصالح الذاتية للدولة، يمثل العناصر الرئيسية في نشاطات الدراسات المستقبلية.

تتفق غالبية التحليلات السياسية في مراكز الفكر السياسي Think Tanks، فى دول الغرب عامة، على فشل هذه المراكز في التنبؤ بالأحداث المستقبلية، وما يمكن رؤية مؤشراتها مبكراً. وهو ما دفع خبراء في هذه المراكز للدعوة إلى رؤية جديدة للدراسات المستقبلية، بحيث تخرج من الحيز الضيق الذي حبست فيه نفسها، والمحاصرة فيه بأولويات ربط توقعاتها المستقبلية بالمصالح الذاتية لدولها، دون تبين ما يربطها بمصالح الدول الأخرى على مستوى العالم.

ويشهد على هذه النظرة المتغيرة، ما عكفت عليه العديد من مراكز الفكر السياسي، من مناقشات، ترى أن العالم يحتاج إلى أجندة مستقبلية ونظرة خلاقة، تربط بين أبحاثها، وبين ما يخص أمن بلادها، وكذلك ما يخص أمن شعوب أخرى، بعد أن ثبت أن العالم يحتاج إلى بعضه البعض، في إطار الاحترام الملزم لمبدأ تبادلية المصالح.

وإذا تذكرنا على سبيل المثال، ما سبق أن أعلنه الرئيس أوباما، فور توليه الحكم، من أن مبدأه للسياسة الخارجية، يقوم على هذه التبادلية، قائلاً «إن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع وحدها مواجهة التحديات لأمنها القومى، أو حل الأزمات الدولية منفردة، إلا بمشاركة وتعاون من دول أخرى».

ثم حدث انقلابه على نفس مبدئه، باستكمال سياسة تغيير الأنظمة، والفوضى الخلاقة، التي كان قد بدأها سلفه جورج بوش، وذلك في مناطق يفترض أنه يحتاج إلى تعاونها معه، حسبما قال.

كان أيضاً ما حدث من فشل التنبؤ بنتائج سياسات تعكس النظرة الذاتية، حين كانت خطط استخدام منظمات إرهابية لخدمة مصالح الدول التي وقفت إلى جانبها، مقصود بها ألا تتجاوز مناطقها الإقليمية جغرافياً، ثم فاجأت هذه القوى الدولية أن الإرهاب تمدد إليها جغرافياً وراحت منظماته تضرب في دول الغرب.

بعض المحللين السياسيين يرون الآن - في معرض مراجعة واقع الدراسات المستقبلية - إن الفشل في الكثير من مشروعات البحوث المستقبلية، راجع إلى عنصرين، أحدهما الاعتماد الأكبر على تقديرات أجهزة المخابرات. والثاني تضييق مراكز الفكر السياسي لمدى نظرها للأشياء، بالتركيز المبالغ فيه، على أخص خصوصيات دولها. وهو ما عبر عنه عالم الاجتماع أنتونى دوانز من أن إعطاء الأولوية القصوى للمصالح الذاتية للدولة، يمثل العناصر الرئيسية في نشاطات الدراسات المستقبلية.

العنصر الثاني يرجع إلى دوران استراتيجيات الأمن القومى، في دوائر تختص بالصراع والتنافس السياسي، والعسكري، والاقتصادي، مع هامشية المشاكل التي لا يمكن حلها بدون التعاون مع هذه الدول نفسها. وهي مشاكل ترتد بالضرورة سلباً على نفس القوى الكبرى، وهذا هو ما أكدته أزمة وباء كورونا، التي عجزت أمامها هذه القوى الكبرى عن التصدي لها مفردة.

ولما كان علم الدراسات المستقبلية يرتكن أساساً إلى رؤية واسعة تستشرف أحداثاً مستقبلية سواء كانت ممكنة، أو محتملة، أو حتى مستبعدة، فإن العجز عن إدراك هذه التوقعات، سببه عدم إطلاق النظرة لاستيعاب ما يخص شعوباً أخرى، من أمور هي بالضرورة مشتركة ومتبادلة بينهما معاً. وعدم الأخذ في الاعتبار المعرفة الأشمل بتلك الشعوب وتاريخها وثقافتها، خاصة على ضوء ما اتفق عليه خبراء سياسيون في الولايات المتحدة من جهل صناع القرار السياسي بهذه الأمور.

هكذا تطل جدوى الدراسات المستقبلية على الواقع الذي فجرته أزمة فيروس كورونا، وهي تتسع نظرتها بالخروج من الإطار الضيق الذي كانت قد حصرت فيه رؤيتها، وحتى تلحق أدواتها بالجانب الإنساني لمشاكل كل الشعوب، سواء داخل بلادها أو خارجها، ولكي تستجيب لمبدأ الاحتياج المتبادل، والذي يلزمه الشعور بالآخرين، إلى جانب الشعور الطبيعي بالذات، وهو الدرس الأساسي لفاجعة كورونا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"