كوابيس سباق التسلح

02:13 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لا يترك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شيئاً دون أن يحاول توظيفه في حملته الانتخابية سعياً إلى الظفر بولاية رئاسية ثانية، ولم يخل خطاب الحملة من مهاجمة شخصيات أمريكية وأولهم منافسه جو بايدن ومعسكر الديمقراطيين، ودول وحكومات أجنبية وفي صدارتها روسيا والصين، دون أن يغفل عن إطلاق الوعود الرامية إلى حل الكثير من المعضلات ومنها إيجاد لقاح لفيروس كورونا. ولأن الحملات الانتخابية يجوز فيها كل شيء في مواجهة المنافس، يحق للرئيس الأمريكي أن يدافع عن سياساته وحظوظه، لاسيما أنه أمام مناسبة لن تتكرر.

من المواضيع المثيرة التي طرأت في خطاب الحملة، مباهاة ترامب بامتلاك بلاده أسلحة متطورة جعلها «موضع حسد» من روسيا والصين وكوريا الشمالية. ومع أنه لا يوجد اختلاف في أن الولايات المتحدة تمتلك أقوى جيش في العالم وتحوز أسلحة فتاكة وانتشاراً برياً وبحرياً في مختلف القارات، إلا أن عودة التغني بالقوة واستعراض العضلات العسكرية من جميع الأطراف قد ينسف كل النوايا الدولية الرامية إلى تعزيز الأمن والسلم وبناء مجتعات أكثر تعاوناً وعدالة. وفي الواقع ليس ترامب وحده من يتفاخر بالسلاح، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يفوت فرصة دون أن يتباهى بعتاد بلاده، ومن ذلك، تصريحه مؤخراً بأن الأسلحة التي تصنعها موسكو تتفوق على مثيلاتها في الدول الأخرى، خاصة في مجال السلاح فرط الصوتي، والأمر نفسه ينطبق على الصين، التي تمارس بعض التحفظ، ولكنها تعمل على صناعة منظومات متطورة جداً تسعى من خلالها إلى فرض نفسها في سوق الأسلحة لتكسب أموالاً طائلة وحلفاء وحضوراً دبلوماسياً أكبر في المناطق المتوترة.

استمرار هذا الخطاب واتساعه يعني أن العالم يتدحرج إلى مستنقع جديد من الصراعات متعددة الأقطاب، وهو ما سينعكس سلباً على خطط الإنعاش المختلفة. ففي هذا الظرف الذي ترزح فيه البشرية تحت جائحة صحية غبر مسبوقة، هناك آمال بأن يسفر انقشاع هذا البلاء في يوم قريب عن مقاربات جديدة تعزز التعايش الإنساني والتآلف بين الشعوب والأمم، لكن المؤشرات الأولية لا تبشر بذلك، بل تحيل إلى أزمة متعددة الرؤوس تطل من أكثر من موقع وميدان. ومن أكثر خطوط المواجهة سخونة ما يجري بين الولايات المتحدة والصين، فهناك أكثر من نقطة تماس، هناك من يرجح حصول صدام لا ريب فيه، بيد أن الرهان على التعقل وحل المشكلات بالحسنى وضمن ثقافة التسامح والسلام مازال قائماً، ويمكن للأسابيع المقبلة، بعد الانتخابات الأمريكية بصرف النظر عن الفائز فيها، أن تحمل بشائر طيبة تزيح هذا الكابوس إلى غير رجعة.

عالم اليوم بحاجة إلى التهدئة في شتى المجالات واجتراح سياسات جديدة تستطيع استيعات المتغيرات الطارئة وتأخذ بيد البشرية جمعاء إلى مستقبل يعم فيه الإخاء والتعاون، وهذا الأمر ليس بعزيز بالنظر إلى التقدم العلمي الهائل وتنوع الموارد، وإذا كانت هناك مثابرة وعمل خالص النية، فيمكن للأحلام أن تصبح حقيقية والكوابيس فرصاً طموحة للحياة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"