الانقسام.. وباء أمريكا السياسي

02:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

كان يفترض أن توحد المأساة الناجمة عن وباء كورونا الأمريكيين، لكنها فعلت العكس، وعمّقت انقساماتهم، خاصة بعد إصرارهم على تسييسها

أمريكا ليست دولة التناقضات فقط، لكنها بلد الانقسامات السياسية العميقة أيضاً. وطوال العقود الماضية ظلت الهوة تتسع، وتزداد عمقاً بين أنصار التوجهات المختلفة. ومع كل حدث ضخم أو أزمة كبيرة تتجلى مظاهر الاستقطاب السياسي الحاد الذي بات يمزق المجتمع، ويشتت قواه. وبينما ظل تعايش وانصهار المكونات البشرية، بكل تبايناتها العرقية والدينية وجذورها المختلفة، أحد مفاخر الأمة الأمريكية منذ تأسيسها، تبدو الولايات المتحدة الآن كأنها تحولت إلى دولة تضم شعبين، أحدهما ديمقراطي، والآخر جمهوري، أو مواطنين ليبراليين، وآخرين من اليمين المحافظ.

ولا يتوافق الأمريكيون على شيء تقريباً، وحتى عندما يجمعهم هدف مشترك تفرقهم خلافات حادة حول كيفية تحقيقه. ومن الطبيعي أن تطفو على السطح حالياً، كل مظاهر الانقسام لوجود حدثين كبيرين، هما كارثة كورونا التي ضربت العالم بأكمله، وموسم الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، أي بعد نحو ستة أشهر.

وإذا كان وباء كورونا المستجد يهدد حياة الأمريكيين، ويحصد أرواح الآلاف منهم، حيث تجاوز عدد الوفيات ال85 ألفاً، وعدد المصابين ناهز المليون وخمسمئة ألف، فإن الانقسام السياسي المتفشي بوضوح يهدد مستقبلهم كأمة قوية متماسكة، لا تتوقف عن شن الحروب، ومواجهة تحديات داخلية، وخارجية، تستلزم الوحدة الآن أكثر من أي وقت مضى.

وقبل أسابيع، نشر معهد بيو الشهير لاستطلاعات الرأي، دراسة كشفت إلى أي حد تحول الانقسام السياسي إلى وباء حقيقي يمزق نسيج المجتمع. وتبدو الدراسة طريفة، لكن مدلولها خطير، وتكشف عن أن الشباب الذي يبحث عن شريك لحياته أصبح يرفض، أو يتحفظ على الارتباط بطرف أعطى صوته لمرشح الحزب المنافس في انتخابات 2016 التي فاز فيها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.

وتوضح الأرقام إن 71% من الديمقراطيين، أو من يميلون لتوجهاتهم، قالوا إنه من المحتمل، أو المؤكد أن يرفضوا إقامة علاقة عاطفية مع طرف صوّت لترامب. أما الجمهوريون فقال 47% إنهم بالتأكيد لن يرتبطوا بشريك صوّت للمنافسة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وباستثناء الاتفاق على الرغبة في ألا يكونوا من ضحاياه، يختلف مؤيدو الحزبين بعد ذلك حول كل شيء يتعلق بمواجهة وباء كورونا، بما في ذلك ارتداء قناع الوجه. وعلى حد وصف مجلة «كريستيان ساينس مونيتور»، أصبح ينظر إلى الملتزم بارتدائه على أنه صاحب ميول ليبرالية، بينما يرمز المخالف للتحدي، والاتجاه لليمين المحافظ. وتشير إلى أن 76% من الديمقراطيين قالوا إنهم ملتزمون بوضع القناع، مقابل 59% فقط من الجمهوريين.

ويوجد استطلاع آخر مهم لمركزي «اكسبوس»، و«ابيسوس»، يتعلق برضا الجمهور عن الإحصاءات الرسمية لأعداد المتوفين، يظهر حالة عامة من الشك في دقتها. ويرى 63% من الديمقراطيين أن الأرقام أقل من الواقع، بينما يعتقد 40% من الجمهوريين أنها أكبر من العدد الحقيقي. ويعتبر كثير منهم أن الهدف هو الإساءة لترامب، والتأثير في فرص إعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية.

وتمتد خلافات الحزبين الجمهوري، والديمقراطي، إلى رؤيتهما للتغطية الإعلامية للأزمة التي ينظر إليها الديمقراطيون بصورة إيجابية أكثر من خصومهم. ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز «بيو»، فإن 73% من الديمقراطيين اعتبروا المعلومات التي يقدمها الإعلام كافية لتكوين وجهة نظر دقيقة، وتنخفض النسبة بين الجمهوريين إلى 44%. ويعتقد 66% من الديمقراطيين أن المعلومات المقدمة دقيقة، وذات مصداقية، مقابل 33% من الجمهوريين الذين يرى 28% فقط منهم أن الإعلام بكل تفرعاته يعمل للمصلحة العامة، فيما ترتفع النسبة بين الديمقراطيين إلى 66%.

ولا يرى سوى 27% من الجمهوريين أن الإعلام يقوم بدور في مساندة الدولة مقابل 63% من الديمقراطيين.

ويختلف الطرفان كذلك في ما يتعلق بتأثير «كورونا» في الاقتصاد. ويعتقد 74% من الديمقراطيين أن الوباء سيؤدى إلى ركود، أو كساد، مقابل 56% من الجمهوريين الذين يميل أغلبهم لتأييد استئناف النشاط الاقتصادي، بينما تتحفظ أغلبية خصومهم.

وبطبيعة الحال، يبلغ الانقسام ذروته في ما يتعلق بتقييم أداء ترامب الذي يعطيه 83% من الجمهوريين درجة ممتاز، أو جيد، ولا يمنحه إياها سوى 18% فقط من الديمقراطيين.

وكان يفترض أن توحد المأساة الناجمة عن وباء كورونا الأمريكيين، لكنها فعلت العكس، وعمقت انقساماتهم، خاصة بعد إصرارهم على تسييسها. ومع الأيام، سيتضاءل خطر «كورونا»، ثم يتلاشى، لكنه سيضيف شرخاً جديداً في بنيان المجتمع الأمريكي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"