غروب الشمس الثاني لآبي

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي*

لأسباب صحية استقال رئيس وزراء اليابان شينزو آبي بعد نحو ثماني سنوات قضاها في المنصب. وبذلك أضحى صاحب أطول فترة حكم لرئيس وزراء في اليابان، وتحقق ذلك بعد أن قاد آبي ائتلافه الحاكم للفوز في 6 انتخابات قومية متتالية ما جعله يتجاوز الرقم القياسي السابق الذي كان يحتفظ به عمه إيساكو ساتو (1901- 1975). وفي عام 2012 عاد آبي بعد 5 سنوات من استقالته من المنصب في عام 2007 لنفس الأسباب الصحية الحالية. وكان التحدي الكبير لشينزو آبي منذ عام 2012 محاولة الخروج من «عقدي اليابان الضائعين» اللذين عانت خلالهما اليابان تباطؤ النمو، وركود المرتبات، والانكماش المستمر. وأعلن ما يعرف بالبرنامج الاقتصادي المسمى آبي-نوميك Abenomics والمعروف بسياسة التخفيف الكمي.
وتتمثل في «الأسهم الثلاثة» للتحفيز المالي والتيسير النقدي والإصلاح الهيكلي، للقضاء على ثلاث مشاكلات كبرى، عدم كفاية الطلب على السلع الاستهلاكية، معضلة الانكماش، وضعف القطاع المحلي. وحقق السهمان الأولان انتعاش النمو الاقتصادي بمسار ثابت انعكس على أعلى معدلات التوظيف وتجنب الهزات الاقتصادية العارضة بين الحين والآخر، لاسيما بعد نحو عقدين من الجهود الحكومية الضائعة التي سبقت ولايته، وعلى الرغم من مشاكل التركيبة السكانية. أما المعضلة فكانت في السهم الثالث المتعلق بالإصلاح الهيكلي، وحاول آبي استخدام موقعه القوي لتسريع إصلاحات السهم الثالث، وهو التغيير الجذري الذي يساعد على رفع الإنتاجية ولكنه مثل مهمة صعبة لرئيس الوزراء آبي بسبب التأثير القوي لجماعات المصالح الراسخة داخل الحكومة، والتي تقاوم الإصلاح.
ومثل جده نوبوسكي كيشي، الذي كان رئيس وزراء في الفترة ما بين 1957 إلى 1964، وبذل جهوداً كبيرة للحصول على حق تنظيم الألعاب الأوليمبية عام 1964، حذا حفيده شينزو حذوه حيث نجح في الحصول على تنظيم الأولمبيات عام 2020 (التي تأجلت إلى العام 2021 بسبب كوفيد-19) في طوكيو التي كانت قد استضافت الأولمبياد في 1964، وبذلك أصبحت أول مدينة آسيوية تحتضن الألعاب الأولمبية مرتين، بينما تستضيف اليابان كدولة الأولمبياد للمرة الرابعة بعد أن استضافت سابورو وناجانو الأولمبياد الشتوي في عام 1972 وفي عام 1998 على التوالي. وبعد فوز مدينة طوكيو باستضافة الألعاب الأولومبية اعتبر المحللون الاقتصاديون أن آبي قد أضاف سهماً رابعاً إلى سهامه الـ3 ويتمثل في زيادة الاستثمار في البنية التحتية والدخل السياحي في السنوات التي تسبق دورة الألعاب.
ورغم أن حالات الوفاة بسبب كوفيد-19 في اليابان كانت أقل من 1300 بالإضافة إلى انكماش اقتصادي أقل مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية أو معظم الدول الأوروبية، إلا أن الكثيرين رأوا أن حكومته كانت تتعامل بشكل سيئ مع القضايا الناجمة عن انتشار الفيروس مما أدى إلى تراجع شعبيته. وفي أحدث التقارير الاقتصادية توقع المحللون الاقتصاديون العودة إلى مسار النمو في العام المالي 2021، ولكن ليس قبل التعرض لبعض الآلام الاقتصادية الكبيرة. ولكن الشركات اليابانية تقول إن التعافي سيكون بطيئاً على نحو غير عادي. وتعتقد أن فيروس كورونا سيواصل الحد من الأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم سوق العمل والدخول.
السؤال، هل استقالة آبي تضع نهاية لحكومة مستقرة ومزيج سياسات من التحفيز النقدي والمالي القوي؟ إذ إن اليابان عرفت ستة رؤساء وزراء في خمسة أعوام قبل أن يستعيد آبي دفة الحزب الليبرالي الديمقراطي ويعود لرئاسة الحكومة عام 2012.
ومن جهة أخرى، يرى اقتصاديون أنه من غير المرجح أن تحدث استقالة آبى تغييرات في سياسة بنك اليابان. ويعزو الاقتصاديون أحد الأسباب وراء عدم حدوث تغيير في سياسة بنك اليابان إلى أنه من غير المرجح أن يقوم محافظ بنك اليابان، هاروهيكو كورودا، المسؤول الأول عن سياسة التخفيف النقدي الهائلة التي يتبعها البنك، بتقديم استقالته قبل انتهاء فترة ولايته في إبريل /نيسان 2023.
ومن المرجح أن يخلف آبي وزير شؤون مجلس الوزراء الياباني سوغا يوشيهيديه استناداً إلى خبرته في خدمة إدارة آبي على مدى سبع سنوات وثمانية أشهر.
* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"