«كورونا».. البرازيل بؤرة أمريكا اللاتينية

02:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. صدفة محمد محمود *

في 22 مايو/ أيار الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن أمريكا الجنوبية أصبحت «بؤرة جديدة» لجائحة كورونا، في ظل تفشٍ واسع النطاق للفيروس في العديد من دولها، وإن كانت البرازيل هي الدولة الأكثر تضرراً من الفيروس في أمريكا الجنوبية.

على الرغم من تزايد حالات الإصابة والوفاة بفيروس كورونا في البرازيل، فلا يزال رئيسها «جايير بولسونارو»، يُصر على التقليل من المخاطر الصحية لهذه الجائحة، ويشدد على ضرورة فتح الاقتصاد.

مؤشرات ودلالات

هناك العديد من المؤشرات الدالة على تفاقم أزمة كورونا في البرازيل، يأتي في مقدمتها: تسارع وتيرة الإصابات الجديدة، حيث يقترب عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا من نصف مليون إصابة، (465.166) إصابة، بالإضافة إلى تخطي حصيلة الوفيات جراء الفيروس على أراضيها 27878 وفاة، في ظل تسجيل البرازيل مؤخراً أكثر من ألف وفاة يومياً بالفيروس، في حصيلة يومية تتخطى تلك المسجّلة في الولايات المتحدة، الدولة الأكثر تضرّراً في العالم من فيروس كورونا. بالإضافة إلى ذلك، كشفت الإحصائيات الصادرة مؤخراً عن جامعة جونز هوبكنز الأمريكية عن أن البرازيل فاقت إسبانيا، من حيث عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، لتصبح ضمن الدول الخمس الأكثر تضرراً من الفيروس على مستوى العالم.

وفي بلد يبلغ عدد سكانه 210 ملايين نسمة، بات النظام الصحي في الولايتين الأكثر تضرّراً بالوباء، وهما ساو باولو وريو دي جانيرو، على وشك الانهيار، وكذلك الحال في عدد من ولايات الشمال والشمال الشرقي. مع العلم أن العديد من العلماء البرازيليين يؤكدون أن الأرقام الرسمية لا تعكس إلى حد بعيد واقع تفشي الوباء في البلاد، مؤكدين أنها أدنى بخمس عشرة مرة على الأقل من الواقع الفعلي، ما يعني أن عدد المصابين يتجاوز 3.6 مليون شخص.

عوامل تفاقم الأزمة

تتعدد الأسباب والعوامل التي تُفسر تزايد حالات الإصابة والوفاة جراء فيروس كورونا في البرازيل، والتي يمكن تصنيفها إلى أسباب وعوامل اقتصادية، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بكيفية إدارة الحكومة البرازيلية للأزمة الصحية الراهنة. تُسهم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها البرازيل في تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع، حيث يعيش حوالي 13 مليون برازيلي في الأحياء الفقيرة، التي تتميز بالازدحام الشديد وغالباً ما يعيش أكثر من ثلاثة أشخاص داخل غرفة واحدة، مع محدودية فرص الوصول إلى المياه النظيفة وأدوات النظافة الشخصية، حيث يكاد يكون من المستحيل اتباع التوصيات المتعلقة بالتباعد الجسدي والنظافة في هذه الظروف.

إضافة إلى ذلك، يوجد في البرازيل قطاع كبير من العمالة غير الرسمية الذين يضطرون للنزول إلى الشوارع بحثاً عن مصدر للرزق، حيث لا يستطيع المواطنون التوقف عن العمل، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بحياتهم، خاصة أن المساعدات المالية (حوالي 110 دولارات أمريكية شهرياً) التي تقدمها الحكومة للعمال في القطاع غير الرسمي، لم تصل لجميع الفئات المتضررة من تفشي الفيروس. هذا إلى جانب تعرض السكان الأصليين لمخاطر شديدة حتى قبل تفشي فيروس كورونا، حيث كانت الحكومة الحالية تتجاهل أو حتى تشجع التعدين غير القانوني وقطع ال

أشجار في غابات الأمازون المطيرة.

ويخاطر الحطابون وعمال المناجم الآن بنشر الفيروس بين السكان الأصليين في البرازيل، الذين يعانون بالفعل ضعف مستوى الخدمات العامة ومحدوديتها.

أما فيما يتعلق بالعوامل المرتبطة بنمط إدارة الحكومة البرازيلية لحالة الطوارئ الصحية العامة، فلا يزال الرئيس بولسونارو يُصرّ على أن فيروس كورونا لا يعدو كونه مجرد «إنفلونزا خفيفة». ويحضر ال

رئيس تظاهرات مناوئة للإغلاق، ويصافح أنصاره دون ارتداء كمامة أو قفاز طبي. وقد شجع ذلك أنصار الرئيس بولسونارو على التهوين من خطورة المرض، فبدأوا يشيعون معلومات مغلوطة، وينظمون تظاهرات احتجاجية ضد تدابير التباعد الاجتماعي.

ويرى الرئيس بولسونارو في إغلاق شركات الأعمال وغيرها من التدابير الوقائية «سياسة أرض محروقة»، نظراً لآثارها على الاقتصاد، ولم يتوقف بولسونارو أبداً عن إخبار الناس بأن الضرر الناجم عن الإغلاق الاقتصادي سيكون أكبر بكثير من الضرر الذي يسببه الفيروس نفسه. ليس هذا فحسب، بل لم يبد الرئيس بولسونارو تعاطفه مع سقوط آلاف الضحايا من البرازيليين، فبعد تجاوز أعداد الوفيات جراء الفيروس خمسة آلاف وفاة، قال بولسونارو للصحفيين: «ماذا إذاً؟ آسف، لكن ليس بوسعي أن أصنع المعجزات».

ولا يواصل الرئيس البرازيلي فقط إثارة البلبلة، من خلال الاستخفاف علناً بالإجراءات والتدابير الوقائية التي فرضها حكام الولايات ورؤساء البلديات، بل تصادم مع ثلاثة من الوزراء (وزيران منهم للصحة) في حكومته، ما أدى إلى استقالتهم من مناصبهم، وهو ما تسبب في حدوث أزمة سياسية في حكومة بولسونارو، كما أضعف ذلك من الوحدة بين أعضاء الحكومة، خاصة مع اختلاف المواقف بين حكام الولايات ورؤساء المدن والرئيس البرازيلي.

التداعيات المتوقعة

من المُرتقب أن يكون لأزمة كورونا تداعيات خطيرة على البرازيل، فعلى المستوى الاقتصادي، من المرجح أن يؤدي استمرار تفشي فيروس كورونا إلى تعرض البلاد لأسوأ انكماش اقتصادي منذ عقود، خاصة مع انخفاض قيمة العملة البرازيلية، بنسبة 30% منذ بداية العام الحالي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد البرازيلي بأكثر من 5% في عام 2020. وسيؤدي ذلك بدوره إلى تضخم عجز الميزانية إلى ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيسهم ذلك في ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 100% بنهاية عام 2020.

وعلى المستوى السياسي، يمكن أن تقود الأزمة الصحية الطارئة التي تواجهها البرازيل إلى تعميق الأزمة السياسية الراهنة مع تزايد الدعوات إلى عزل بولسونارو أكثر من أي وقت مضى، وارتفاع معدل عدم التأييد الشعبي للرئيس البرازيلي إلى 42%، وتكرار الاحتجاجات الليلية من داخل شرفات المنازل اعتراضاً على إدارة بولسونارو للأزمة، إلى جانب اتهامات وزير العدل السابق «سيرجيو مورو» لبولسونارو بالتدخل لعزل رئيس جهاز الشرطة الفيدرالية، من أجل حماية أفراد عائلته من الملاحقة القضائية على خلفية اتهامات بالفساد، وهو ما قد يُفضي في نهاية المطاف إلى عزل بولسونارو.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"