الصين وأمريكا.. مواجهة محسوبة

02:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد قنديل*

يتابع العالم باهتمام بالغ ومتنام تطور العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، لما لها من تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية مهمة على معظم دول العالم، إن لم يكن أجمعها.
هذه العلاقة التي تربط بين أكبر اقتصادين في العالم، ينظر إليها كثير من خبراء العلاقات الدولية على أنها الديناميكية التي سوف تحدد مواقع القوة العالمية في القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد أن أصبحت لا تخلو من المواجهات والخلافات، على جبهات كثيرة حرجة. فمنذ أن دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض في 2017، تدق «طبول» حرب باردة جديدة في كل من واشنطن وبكين. فمن تجدد الخلافات حول التجارة وتايوان وهونج كونج إلى لعبة توجيه اللوم المرير على تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، إلى اشتعال المناوشات العسكرية وسباق التسلح في بحر الصين الجنوبي.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، حذر وزير خارجية الصين، وانج يي، بشكل علني وصريح ومباشر في الشهر الماضي، من حرب باردة قادمة بين بلاده والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن واشنطن أصيبت ب«فيروس سياسي» يُجبر المسؤولين هناك على مهاجمة الصين باستمرار. بل واتهمت بكين وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بأنه ينتهج إيديولوجية الحرب الباردة التي «لا تزال مشتعلة في قلبه»، رغم انتهائها منذ 30 عاماً.


تهديدات أمريكية


من جانبه، أعلن الرئيس الأمريكي أن بلاده قد تلجأ إلى قطع العلاقات مع بكين، وذلك على خلفية «الحرب التجارية» المستمرة بين البلدين، فضلاً على قضايا أخرى، منها حالة حقوق الإنسان في الصين ووضع الأقلية المسلمة في إقليم شينجيانج ذاتي الحكم. وفي هذا السياق، قدم مسؤولون بالبيت الأبيض قائمة طويلة من الخيارات العقابية التي يمكن للرئيس الأمريكي إقرارها في مواجهة «التنين الصيني». ووفقاً لبعض التسريبات، كان من بين تلك الخيارات فرض بعض العقوبات المالية، وتحركات دولية لخنق رأس المال الصيني في الأسواق المالية، وهو التحرك الذي يعد أكبر تحدٍ للاقتصاد الصيني الذي لا يزال يعتمد إلى حد كبير على النظام المالي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
وكان من بين هذه الخيارات أيضاً إلغاء تأشيرات دخول الآلاف من الطلاب الصينيين إلى الولايات المتحدة، وفرض عقوبات مالية على المسؤولين الصينيين المتورطين في قمع الاحتجاجات في هونج كونج.


قلق أمريكي


وعلى الرغم من توصل واشنطن وبكين إلى اتفاق «المرحلة الأولى» الذي تم توقيعه في يناير الماضي، لم يحل الجانبان بعد نزاعاتهما التجارية بالكامل، الأمر الذي أثار المخاوف على مستقبل الاقتصاد العالمي خاصة بعد تزايد الآثار السلبية لتفشي فيروس كورونا المستجد.
وبالتزامن مع ذلك، كانت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة «هواوي» هدفاً لحملة أمريكية متصاعدة لعزلها دولياً إذ اتهمتها واشنطن بسرقة أسرار تجارية أمريكية، وحذرت من أن بكين قد تستخدم معدات الشركة الخاصة بالجيل الخامس للاتصالات في التجسس على الاتصالات العالمية.
إدارة ترامب تنظر بكثير من القلق إلى تنامي الصعود الصيني اقتصادياً وعسكرياً في العالم. وقد تفاقم هذا القلق، لدى صقور هذه الإدارة، بعدما نجحت بكين في الترويج «للطبعة الصينية من العولمة»، والتي تقوم على مبادرة «الحزام والطريق»، والتي تهدف إلى ربط الاقتصاد الصيني بقارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، من خلال شبكة من مشروعات البنية التحتية في الاتصالات والمواصلات والطاقة وغيرها، الأمر الذي بات يمثل خطراً كبيراً بالنسبة للمكانة العالمية للولايات المتحدة. فمع قدراتها المالية الكبيرة وقدراتها الديموغرافية (1.380 مليار نسمة) والتكنولوجية، أصبحت الصين «بديلا» عن «النموذج الغربي».


عامل توتر جديد


الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين زادت حدتها مؤخراً بعدما اتهم الرئيس الأمريكي بكين بعدم الشفافية فيما يتعلق بانتشار فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية، ملوحاً بضرورة أن تقوم بكين بدفع تعويضات عن الخسائر المالية والاقتصادية الضخمة التي تسبب فيها الوباء للاقتصاد الأمريكي.
وإلى جانب ذلك، شهدت العلاقات الأمريكية- الصينية مأزقا جديدا، بعدما ألغت وزارة الخارجية الأمريكية الوضع التجاري الخاص الذي كانت تتمتع به جزيرة هونج كونج كمركز مالي عالمي، قائلة إن الجزيرة لم تعد مستقلة بما فيه الكفاية عن الصين. وكان البريطانيون قد أعادوا الجزيرة إلى الصين عام 1997، على أن تحكم المنطقة ضمن مبدأ «دولة واحدة ونظامان». لكن مجلس الشعب الوطني الصيني (مجلس النواب) أصدر في 28 مايو 2020 قراراً في شأن «حماية الأمن القومي» في الصين. وتقول بكين إنها طرحت الإجراء لضمان القانون والنظام، ومنع التدخل الأجنبي في هونج كونج


حرب باردة فقط


على أي حال، من المتوقع أن تستمر الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين طالما استمر الرئيس ترامب في السلطة. فالحزب الجمهوري الأمريكي دائما ما ينظر إلى صعود القوة الصينية باعتبارها تهديداً خطيراً للأمن القومي وتحدياً للديموقراطيات الغربية، وهو الأمر الذي برز خلال عهد الرئيس ترامب، الذي أصبحت إدارته مصممة أكثر من أي وقت مضى، على احتواء صعود القوة الصينية بكل الوسائل المتاحة والممكنة. وعلى الأرجح لن تتحول الحرب الباردة بين العملاقين الأمريكي والصيني إلى حرب ساخنة في المدى المنظور. فالولايات المتحدة اليوم لا تزال هي القوة العسكرية الأعظم في العالم، والصين لن تغامر بالدخول في مواجهات عسكرية مباشرة معها. كما أن بكين تدرك جيدا أن قوتها الحقيقية في عقلها السياسي وصبرها ودقة حساباتها في استخدام معايير وأساليب وأدوات جديدة، أولها الاقتصاد والذكاء الصناعي.

*خبير الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"