ليبيا تنتظر السلام الموعود

02:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عباس ناجي *

انتهت جلسات الحوار التي عقدت في مدينة بوزنيقة المغربية بين أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، في الفترة من 6 إلى 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، بالوصول إلى تفاهمات تتعلق بتوزيع المناصب السيادية الرئيسية في الدولة، والاتفاق على مواصلة الحوار في نهاية الشهر الحالي.
رغم الدعم الذي أبدته العديد من الأطراف المحلية، والإقليمية، والدولية لهذه النتائج، التي يمكن أن تضع، في رؤية البعض، ليبيا على مسار التسوية السياسية، إلا أن ذلك لا ينفي أن المهمة ربما لن تكون سهلة للوصول إلى هذا المسار، وأن المعطيات التي فرضتها تلك النتائج تعترضها عقبات عديدة داخلية، وخارجية لا تبدو هينة.
صحيح أن الوصول إلى هذا التوافق يمثل مؤشراً على وجود اتجاه ليبي داعم للتسوية السياسية، وإنهاء الأزمة التي فاقمت من حدة الفوضى وعدم الاستقرار على المستويات المختلفة داخل ليبيا خلال السنوات العشر الماضية، لكن الصحيح أيضاً أن هناك قضايا عالقة، وأطرافاً مناوئة ربما تخصم تدريجياً من زخم وأهمية ما تم تحقيقه، وما قد يتم الاتفاق عليه في الجولة القادمة.


تعدد المرجعيات


أولى هذه العقبات يتعلق بوجود أكثر من منصة للحوار، أو بمعنى أدق، أكثر من مرجعية، على نحو يمكن أن يؤدي إلى تشتيت الجهود وتشابك الرؤى والمصالح، وبالتالي تعقيد الأزمة أكثر من حلها. إذ كان لافتاً أنه بالتوازي مع انعقاد حوار بوزنيقة كانت هناك مباحثات أخرى تجري في مدينة مونترو السويسرية، بحضور البعثة الأممية في ليبيا، وبرعاية مركز الحوار الإنساني، توصل المشاركون فيها إلى التوافق على تشكيل مجلس رئاسي من رئيس، ونائبين، وحكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات في غضون 18 شهراً، مع نقل مقار الحكومة الرئيسية والبرلمان إلى مدينة سرت.
وهنا، فإن ذلك قد يخصم من الجهود المبذولة لتسوية الأزمة ولا يضيف لها، خاصة أن كل الأطراف المشاركة في مثل تلك المنصات قد تتمسك في النهاية بمخرجاتها، وبالتالي تتزايد مسارات التسوية وتتقاطع في زوايا عدة. وقد كشف تعدد مسارات التسوية ومنصات الحوار في الحالة السورية، على سبيل المثال، عن سلبيات عدة، أهمها أن هذا التعدد لم يفض في النهاية إلى حل الأزمة حتى الآن.


غياب التوافق


يتوازى ذلك مع عدم وجود اتفاق عام داخل ليبيا على طبيعة تلك المباحثات أو المناقشات التي تجري بين الأطراف المختلفة، على نحو يوحي بوجود انقسامات لا تبدو هينة داخل المعسكرات المتنازعة في ليبيا، حيث لا يوجد ما يؤشر إلى أن الأطراف التي شاركت في تلك المنصات نجحت في استقطاب دعم ظهيرها السياسي في الداخل لصالح تعزيز موقعها في تلك المباحثات.
وكان لافتاً، على سبيل المثال، حرص رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على القول إن «ما يجري في المغرب ليس حواراً، وإنما مشاورات»، وأن «ما شهدته مونترو عبارة عن جلسات عصف زهني بين الأطراف المختلفة لكيفية الخروج من الأزمة وهي ليست ملزمة».
هذه التصريحات تطرح دلالات رئيسية ثلاث: الأولى، أن هناك حرصاً من جانب بعض الأطراف في الداخل على الاحتفاظ بهامش واسع من المناورة وحرية الحركة وعدم الالتزام بأي سقف قد تفرضه مخرجات تلك الحوارات، وفي مقدمتها حوار بوزنيقة، بما يعني أنها تعتبرها مجرد محاولات لجس النبض، واستكشاف نوايا الأطراف الأخرى وليس أكثر.
والثانية، أنه لم يكن هناك في الأصل توافق داخل تلك الأطراف على الأجندة العامة لتلك الحوارات، وهو ما بدا جلياً في حرص بعضها على توجيه رسائل خلال انعقادها أدت إلى إضعاف موقع أعضائها المشاركين فيها.
والثالثة، أن هذه الأطراف قد تعمل على عرقلة ما تم التوصل إليه، خاصة أن كوادر عدة، منها أبدت استياءاً ملحوظاً إزاء تغييبها عن الحضور، وطرحت تساؤلات عدة عن أسباب اختيار البعض بالذات للمشاركة في تلك المنصات.


الملفات الخلافية


رغم أن الجولة الأولى من حوار بوزنيقة انتهت بالتوافق على توزيع سبعة من المناصب السيادية العشرة، إلا أن ذلك قد لا يمثل نهاية المطاف. ففضلاً عن أن الجولة الثانية التي ستعقد في نهاية الشهر الحالي قد تشهد خلافات أخرى حول المناصب المتبقية، خاصة مع عودة المشاركين إلى التشاور مع حلفائهم في الداخل، فإن هناك تقارير تشير إلى وجود اعتراض على نقل البنك المركزي، وهو إحدى أكثر المؤسسات السيادية أهمية وتأثيراً في الحالة الليبية، إلى مدينة سرت، وأن ذلك قد يؤدي إلى تراجع بعض الأطراف المشاركة عن ما اتفقت عليه في الجولة السابقة.
إلى جانب ذلك، فإن الحوار لم يمتد إلى القضايا الأهم، ولاسيما ما يتعلق بتفكيك سلاح الميليشيات، ووضعها المستقبلي الخاص بموقعها من الترتيبات السياسية والأمنية التي يمكن صياغتها في مرحلة ما بعد الوصول إلى تسوية سياسية، حيث يتوقع أن تنشب خلافات عدة حول تلك القضية في ضوء تمسك حكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة بها، باعتبارها المحور الرئيسي الذي تم التعويل عليه في إدارة المناطق التي سيطرت عليها والانخراط في المواجهات الميدانية مع الجيش الوطني الليبي خلال المرحلة الماضية.
كما تمثل قضية توزيع العوائد النفطية محوراً أساسياً في هذا السياق، لاسيما أنها كانت أحد أسباب تصاعد حدة الصراع العسكري بين الجيش الوطني، وحكومة الوفاق، خلال المرحلة الماضية، في ظل إصرار الجيش الوطني على ضرورة التوزيع العادل لتلك العوائد على مختلف أقاليم الدولة وعدم إنفاقها على دعم الميليشيات والمرتزقة الأجانب.


أجندة أنقرة


ولا ينفصل الخلاف حول وضع الميليشيات والمرتزقة والمنشآت النفطية عن الأدوار التي تقوم بها بعض الأطراف الخارجية، لاسيما تركيا، التي سوف تضع «فيتو» على تفكيك تلك الميليشيات، بما تمتلكه من نفوذ على حكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة، باعتبار أنها الراعي الأول لتلك الميليشيات، بعد أن قامت بنقل القسم الأكبر من عناصرها من سوريا إلى ليبيا، وتكليفها بالانخراط في المواجهات الميدانية مع الجيش الوطني. لذا، قد لا يمكن استبعاد أن تتحرك أنقرة من أجل عرقلة ما تم التوصل إليه في بوزنيقة، عبر حلفائها في الداخل، وقد تكون تصريحات المشري التي حرص فيها على تقليص أهمية ما جرى في المدينة المغربية مؤشراً على أن أنقرة أوعزت لحلفائها بالعمل على وضع عقبات مبكرة أمام إنضاج التفاهمات التي جرى التوصل إليها في الجولة الأولى للحوار.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"