بحر الصين الجنوبي يغلي

04:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

للمرة الأولى منذ ست سنوات، تستعرض واشنطن عضلاتها في بحر الصين الجنوبي بإرسال حاملتي طائرات تابعتين للبحرية الأمريكية إلى هذه المنطقة الحساسة، فيما تقوم الصين بمناورات بحرية وجوية هناك، لتأكيد سيطرتها على هذا البحر، بحيث يمكن أن تتحول المنطقة إلى ساحة مجابهة بين العملاقين في حال حصل أي خطأ من أحدهما.
وصلت الحاملتان الأمريكيتان إلى المنطقة في الوقت الذي أنهت فيه الصين مجموعة من التدريبات البحرية بالقرب من سلسلة الجزر موضع الخلاف، وكان الإعلام الصيني الرسمي جاهزاً لإطلاق حملة تعبئة محورها استعداد لا يقبل التردد لصد أي محاولة أمريكية للوقوف في وجه مطالب الصينيين المشروعة.
وأجرت قوة «نيميتز كارير سترايك» المكونة من حاملتي الطائرات «يو إس إس نيميتز» و«يو إس إس رونالد ريجان» العديد من التمارين التكتيكية في إطار زيادة قدرات الدفاع الجوي إلى الحد الأقصى، وتوسيع نطاق الضربات البحرية الدقيقة بعيدة المدى من الطائرات المحمولة، حسب ما جاء في بيان للبحرية الأمريكية.
لكنها المرة الأولى التي تتواجد فيها حاملتا طائرات أمريكيتان معاً في بحر الصين الجنوبي منذ عام 2014، والمرة الثانية فقط منذ عام 2001، حسب تصريح للمتحدث باسم حاملة طائرات «رونالد ريجان»، شون بروفي.


استعراض عضلات


وبينما كانت القوة الأمريكية تستعرض عضلاتها في عطلة عيد الاستقلال الأمريكي، أنهت البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني خمسة أيام من المناورات حول جزر باراسيل، المعروفة في الصين باسم «تشاشا»، وهي سلسلة الجزر التي تطالب بها كل من فيتنام وتايوان أيضاً.
ولم تعطِ الصين تفاصيل حول ما تنطوي عليه تدريبات باراسيل، ووصفتها فقط بأنها «مكثفة» في التقرير الذي نشرته صحيفة «جلوبال تايمز» الحكومية.
ووصفت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الماضي تدريباتها في بحر الصين الجنوبي بأنها «في حدود السيادة والمنطق»، وفقاً لما نشر على موقع على شبكة الإنترنت لجيش التحرير الشعبي الصيني. وتدعي بكين أن بحر الصين الجنوبي الذي تبلغ مساحته 1.3 مليون ميل مربع تقريباً، هو أرض تخضع للسيادة الصينية بالكامل، وقد أنشأت بكين خلال السنوات الماضية العديد من التحصينات العسكرية فوق عدة جزر.
ومع استمرار تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على مدار هذا العام، صعدت واشنطن من وتيرة عملياتها في بحر الصين الجنوبي بشكل مستمر، حيث نفذت مناورات أطلقت عليها اسم «حرية الملاحة» بالقرب من الجزر التي تسيطر عليها الصين، وتضمنت التدريبات تحليقاً كثيفاً لسلاح الجو الأمريكي وقاذفات القنابل، والقيام بعمليات بحرية مشتركة مع شركاء مثل اليابان وسنغافورة.
لكن نشر حاملتي طائرات في نهاية الأسبوع الماضي، تحمل كل منهما نحو 60 طائرة، إضافة إلى طرادات ومدمرات الصواريخ الموجهة التي تصاحبهما، يؤكد عزم واشنطن على التمسك بموقفها وعدم التفريط في نفوذها في المنطقة لمصلحة بكين.
وجاء في بيان البحرية الأمريكية أن حاملتي الطائرات «نيميتز وريجان» تعتبران من أكثر القوات المقاتلة فاعلية، ومن أسرعها حركة على مستوى العالم، وأنهما تدعمان التزام الولايات المتحدة باتفاقيات الدفاع المشترك مع الحلفاء الإقليميين والشركاء.
في غضون ذلك، وصفت بكين وجود الولايات المتحدة في المنطقة بأنه مزعزع للاستقرار. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جان: «تنقل بعض الدول من خارج المنطقة قواتها آلاف الأميال إلى بحر الصين الجنوبي، للمشاركة في أنشطة عسكرية واسعة النطاق، واستعراض للقوة، وهذا هو السبب الأساسي لزعزعة الاستقرار في بحر الصين الجنوبي».


التفوق العسكري الأمريكي


يقول المحلل الأمريكي كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز المخابرات المشتركة لقيادة المحيط الهادئ الأمريكية: إن المناورات المزدوجة تظهر قوة البحرية الأمريكية التي لا ند لها في العالم، على الأقل في الوقت الحالي.
وتملك الصين حاملة طائرات واحدة تعمل بكامل طاقتها، وتقترب من تجهيز الحاملة الثانية. إلا أن الحاملتين ليس لهما الطاقة العملياتية ولا القدرة على حمل العديد من الطائرات كتلك التي تمتاز بها حاملتا طائرات البحرية الأمريكية. وهناك حاملة ثالثة في المنطقة انفصلت عنهما مؤخراً هي «ثيودور روزفلت»، تنتشر في بحر الفلبين القريب.
وقال شوستر: «إن فرق القوة القتالية الظاهر بين جيش التحرير الشعبي والبحرية الأمريكية لا يخفى. وهذا يكفي لتوجيه رسالة عسكرية وجيوسياسية إلى الصين والمنطقة، حيث تكشف مناورات البحرية الأمريكية عن مكامن القوة الحقيقية».
وأشار شوستر إلى أن تمركز ناقلتين في بحر الصين الجنوبي يخلق وضعاً أكثر تعقيداً من وجود ثلاث حاملات في بحر الفلبين، لأن بحر الفلبين مفتوح، بينما تتكثف في بحر الصين الجنوبي المنافسات ليس فقط على الميدان العسكري البحري، بل على الملاحة الجوية أيضاً.
ومما زاد في تعقيدات الوضع العسكري تعزيز الولايات المتحدة قوتها النارية في التدريبات الحالية بقاذفات «بي 52»، التي تنطلق من فوق حاملات الطائرات. وقد سافرت تلك القاذفات الضخمة 28 ساعة بلا توقف من قواعدها في لويزيانا للمشاركة في التدريبات، وهو ما يدل على قدرة القوات الجوية الأمريكية على نقل القوات بسرعة إلى النقاط الساخنة في العالم. وقال اللواء كريستوفر داف، قائد السرب 96 قاذفات، «يظهر هذا التدريب قدرتنا على التحليق في أي مكان في العالم وتنفيذ المهام العسكرية والعودة بسلام إلى مواقعنا».


نمور من ورق


ووصفت الصين حاملات الطيران الأمريكية بأنها «ليست أكثر من نمور من ورق تقف على أبواب الصين». وقالت: إن بكين لديها ما يكفي من القوة النارية للدفاع عن مواقعها في بحر الصين الجنوبي. وهذا يعني أن بحر الصين الجنوبي بات في حالة غليان لا يعرف أحد تداعيات الوضع فيه ما دامت الأصابع على الزناد.
وجاء في تقرير صحيفة «جلوبال تايمز» الحكومية: «إن بحر الصين الجنوبي بالكامل يقع تحت سيطرة جيش التحرير الشعبي، وأي حركة تقوم بها حاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة تتم مراقبتها عن كثب، وهي في مرمى نيران جيش التحرير الشعبي الذي لديه مجموعة واسعة من الأسلحة لمواجهة حاملات الطائرات، مثل صاروخ (دي إف 21) وصاروخ (دي إف 26)، وكلاهما قادر على الفتك بحاملات الطائرات الأمريكية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"