تخفيض القوات الأمريكية..عقاب لألمانيا

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

في أحدث فصول خفض عديد القوات الأمريكية في ألمانيا، وافق الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي على خطة لنقل 9500 جندي، بعد أن تبنت لجنة الدفاع في الكونجرس تعديلاً يهدف إلى منع هذا الانسحاب، ما لم يقدم البنتاجون تقريراً يوضح أن القيام بذلك لن يضر بأمن الولايات المتحدة أو حلفائها.
كانت التقارير التي نشرت حول خطط لسحب جزئي للقوات الأمريكية من ألمانيا قد ولدت جدلاً حاداً في أوساط أحزاب الائتلاف الحاكم في برلين. ويبدي سياسيون محسوبون على المستشارة أنجيلا ميركل مخاوف من تأثير الخطة في تماسك حلف الناتو، بينما يرى آخرون في تلك الخطة فرصاً سانحة.


الغموض


ويتمركز في ألمانيا حالياً 34500 جندي أمريكي مع أسرهم في الغالب، ويتوزعون في عدد من الولايات، أهمها بافاريا وراينلاند - بفالتس.
لكن خطط سحب تلك القوات لا تزال في كثير من تفاصيلها غير واضحة، وهي في طي الكتمان، وتزداد غموضاً بشأن المخاوف من تقليص واشنطن استعداداتها للتدخل عسكرياً في مناطق عدة في العالم، ومشاركتها في أنشطة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، أي أن الخطوة تتجاوز الهدف المعلن بمعاقبة ألمانيا على ترددها برفع ميزانيتها الخاصة بالإنفاق العسكري حتى 2% من ناتجها الإجمالي المحلي، كما هو متفق ضمن دول الحلف.
وتنشر الولايات المتحدة قوات عسكرية بتشكيلات متنوعة، وفي مناطق مختلفة من الأراضي الألمانية. فهناك خمس حاميات أمريكية رئيسية في ألمانيا، من أصل سبع في جميع أنحاء أوروبا. تقع القيادة الأمريكية الأوروبية والقيادة الأمريكية الإفريقية، في شتوتجارت في جنوب غرب ألمانيا. وتتمركز القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي في حامية «لوسيوس دي كلاي» في ولاية هيس. ولدى القوات الجوية الأمريكية قاعدتان جويتان رئيسيتان في رامشتاين وسباندالم. ورامشتاين هي منشأة أمريكية رئيسية، تضم عناصر القيادة والتحكم لعمليات الطائرات بدون طيار الأمريكية في جميع أنحاء العالم.
وفي مقال رأي نشرته «وول ستريت جورنال» في 21 يونيو، تابع مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين التعليقات السابقة لإدارة ترامب بالقول: إن إعادة الانتشار تتعلق بقوات الحامية، ولن تمس العناصر ذات الصلة بعمليات الدعم، والتي من المفترض أنها تشير إلى التدريب والمرافق الطبية.
اللافت هنا مرة أخرى التعريج على دور بولندا بعد اقتراح العام الماضي، وهو ما يؤثر بشكل مباشر في تموضع القوات القتالية. قد يشير هذا إلى نقل قوات الجيش الأمريكي المتمركزة في فيلسيك (بافاريا)، والتي شاركت مؤخراً في تمرين «دراجون رايد» الذي نظمه حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في عام 2015.


الخوف من روسيا


النائب ماك ثورثنبيري عن ولاية تكساس، كتب في الرسالة الموجهة إلى ترامب: «التهديدات التي تشكلها روسيا لم تتراجع، وتراجع التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو سيشجع على المزيد من التصرفات العدوانية والانتهازية من قبل روسيا».
وانتقد السيناتور الديمقراطي جاك ريد بدوره خطوة ترامب، وقال: إنها خدمة أخرى يقدمها ترامب لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وقال السفير الأمريكي في ألمانيا، ريتشارد جينيل، الذي استقال من منصبه قبل أسبوعين في تصريحه لصحيفة ألمانية: إن إقدام ترامب على سحب قوات بلاده من ألمانيا ينبغي ألا يفاجئ أحداً.
وأكد أن ترامب كان واضحاً عندما أعلن نيته إعادة القوات الأمريكية، ملمحاً إلى أنه على الرغم من بقاء نحو 25 ألف جندي، في ألمانيا، فإن هذا القرار أقرب ما يكون إلى معاقبة برلين.
وأكد بين هودجز قائد القوات الأمريكية في أوروبا أن القواعد تسهم في فرض القوة الأمريكية في العالم، وبفقدانها ستفقد الولايات المتحدة ليس فقط قدرتها على الردع، بل وعلى الحشد في مناطق أخرى من العالم، وعلى حد قوله فقاعدة رامشتاين مهمة جداً لخدمة الطلعات الجوية في الشرق الأوسط وإفريقيا.


قوات إلى بولندا


وكان ترامب قد تحدث في الصيف الماضي عن عزمه نقل قوات من ألمانيا إلى بولندا، مؤكداً للرئيس البولندي حينها أن ألمانيا ليست بالمستوى المطلوب منها كدولة عضو في حلف الناتو، وكذلك بولندا. ويسعى الرئيس البولندي أندريه دودا لاستضافة بلاده قوات أمريكية، مقدماً نحو ملياري دولار كمساهمة لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية فيها. وبحسب الخطة الحالية، فمن المتوقع نقل عدد من القوات الأمريكية المتمركزة في ألمانيا إلى بولندا.
وتشير أرقام ميزانية حلف شمال الأطلسي إلى أن الإنفاق الدفاعي المقدر لألمانيا عام 2019 بلغ نحو 1.4% من الناتج الإجمالي المحلي مقارنة مع 2% لبولندا. وقد التزمت ألمانيا بدفع نحو 54 مليار دولار العام الماضي، وتشكل مدفوعاتها ثالث أكبر ميزانية لحلف الناتو، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، بينما أنفقت بولندا نحو 12 مليار دولار.
ومن جهته، قال ماتيوس مورافيسكي رئيس وزراء بولندا: إنه يأمل في نشر بعض القوات الأمريكية المقرر خروجها من ألمانيا في بلاده. وقال مورافيسكي: «أتمنى أن تسفر المحادثات العديدة التي أجريناها عن نقل جزء من القوات الأمريكية المتواجدة في ألمانيا إلى بولندا».
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قد نشرت مطلع يونيو / حزيران تقريراً استندت فيه إلى مسؤول بالإدارة الأمريكية لم تفصح عن هويته أشار إلى اتجاه بتحديد سقف عدد القوات الأمريكية في ألمانيا ب 25 ألف جندي. وتحدثت مجلة «دير شبيجل» الألمانية أيضاً، استناداً إلى معلوماتها الخاصة، عن خطط إجراء خفض كبير في الوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا.
وأعرب منسق الحكومة الألمانية لشؤون العلاقات عبر الأطلسي، بيتر باير، عن مخاوفه من أن يؤدي انسحاب محتمل للقوات الأمريكية من الأراضي الألمانية لأضرار بالغة في العلاقات بين البلدين.
وتمثل هذه الخطوة أحدث تطور في العلاقات بين برلين وواشنطن التي كثيراً ما شابها التوتر خلال رئاسة ترامب. وحث ترامب ألمانيا على زيادة الإنفاق الدفاعي، واتهم برلين بأنها «أسيرة» لروسيا بسبب اعتمادها عليها في مجال الطاقة.
وفي تقرير نشره ألكسندر لاك محلل «دير شبيجل» المختص في شؤون حلف شمال الأطلسي أنه وسط هذا الجدل ومع تباين المواقف، سواء في واشنطن أو بروكسل، يبدو أن تبعات كورونا على الاقتصاد العالمي سوف تدفع كل طرف لإقفال صنابير إنفاقه، والتحايل على الأطراف الأخرى قدر الإمكان للتخلص من فواتير الدفاع الباهظة التي فرضتها ظروف الحرب الباردة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"