حياة أخرى جديـدة للمبدع

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
يوسف أبولوز

ليس لدينا في الثقافة العربية ما يُسمّى المتاحف الأدبية التي تحفظ تراث وإرث الأدباء من شعراء، وروائيين، لا بل لا توجد متاحف للرسّامين، والمغنّين، والمسرحيين، والمعماريين العرب، إلاّ في حالات فردية جداً، تقوم عليها عائلات هؤلاء الكتّاب، والفنانين، أما من حيث المؤسسات والدوائر الثقافية العربية الرسمية فإن هذه الجهات ليست معنية بالمرّة، بثقافة المتحف الأدبي، والحاجة إليه، وضرورة أن يكون تراثاً ثقافياً، أدبياً، ومادياً.. وطنياً بالدرجة الأولى، فعشرات الكتّاب العرب والمبدعين الكبار رحلوا، وغابوا، وانطوى برحيلهم وبغيابهم كل شيء يدلّ عليهم، ويذكّر بهم.
هل يوجد، على سبيل المثال، متحف أدبي لجبران خليل جبران؟.. لا أدري إن كان هناك متحف في لبنان أو في أمريكا لصاحب «دمعة وابتسامة».. هل يوجد متحف لأم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم في مصر، وعرار في الأردن، وبدر شاكر السياب في العراق، ومحمد الماغوط، وممدوح عدوان، وعمر أبو ريشة في سوريا، وعبدالله البردوني في اليمن، وفدوى طوقان في فلسطين، والطيب صالح في السودان، ومحمد الفيتوري في ليبيا، وغيرهم، وغيرهم من مسرحيين، ورسّامين بشكل خاص؟ وهي على أية حال مجرّد أسئلة استفهامية واستنكارية في الوقت نفسه، ففي القائمة «العشوائية» التي ذكرتها قبل قليل قد تكون هناك متاحف قائمة لهؤلاء الكتّاب والفنانين، ولكن أين هي؟.. ما مدى الاستثمار الوطني فيها إن وُجِدت هذه المتاحف؟. وبالطبع عندما نتحدث عن غياب ظاهرة المتحف الثقافي، أو المتحف الأدبي، أو المتحف الشخصي لكاتب أو فنان، سمّه كما تريد، وبأي توصيف متحفي، فإننا في الوقت نفسه نتحدث عن ظاهرة ثقافية اجتماعية استثمارية، فالمتاحف الخاصّة بكبار الكتاب والفنانين والفلاسفة والمفكرين في الغرب هي معالم ومنشآت وطنية في الدرجة الأولى، وتشكّل جزءاً مادياً ومعنوياً من التاريخ الثقافي للبلدان الأوروبية، وهي «مؤسسات»، أو أشبه بالكيانات الثقافية المكفولة أمنياً بالحراسة المشدّدة، كما أنها مكفولة من الناحية التمويلية، هذا إذا لم تكن تموّل نفسها بنفسها من المردود المالي الذي تجنيه هذه المتاحف الأدبية من زائريها، ومرتاديها اليوميين، تماماً مثل زيارة متاحف اللوحات الفنية التاريخية، مثل «اللوفر».
هذه الظاهرة ليست موجودة، للأسف، عندنا في المحيط العربي، وفي الثقافة العربية، ونشدّد هنا على أن المتاحف الأدبية والفنية الخاصة بشعراء، وروائيين، ومسرحيين، ورسّامين، هي في حدّ ذاتها ثقافية، أو تنبع من تربية ثقافية، وهذه التربية ، للأسف مرة ثانية، ليست من اهتمامات المؤسسات الثقافية العربية الحكومية، والخاصة.
ولكن.. ما هي مكوّنات متحف لشاعر على سبيل المثال؟ أو روائي أو فنان؟ كيف نقيم كياناً متحفياً لعلم ثقافي له أثر تاريخي ووطني في بلاده؟.. نعم، هناك الكثير من المكوّنات المتحفية.. ومنها: الكتب، والإصدارات التي وضعها الكاتب. وما نُشِرَ عنه، ثم مقتنياته، فهناك الكثير من الكتّاب اقتنوا لوحات تشكيلية إمّا أنها كانت مهداة لهم مباشرة من رسّاميها، وإما أنهم اشتروها من مالهم الخاص.
بيت الشاعر، أو بيت الروائي، أو بيت الفنان، إن كان مسرحياً، أو رسّاماً، أو موسيقياً، أو مغنياً، يمكن أن يتحوّل ببساطة إلى متحف يضم أرشيفات فوتوغرافية، وأرشيفات صوتية مسموعة، وأرشيفات مرئية كالحوارات التلفزيونية والفيديوية، واليوم ظهر «اليوتيوب»، وغيره من منصّات كمبيوترية حديثة يمكن أن تكون مكوّنات معاصرة للبيت المتحفي.
ويترك الكتّاب مكتبات شخصية ضخمة بعد رحيلهم، وهذه الثروة من الكتب يتبرّع بها ورثة الكاتب بعد موته، لا بل يتخلون أحياناً عن الدروع، والأنواط والأوشحة والقلائد التكريمية المادية التي حصل عليها في حياته، وهذه مقتنيات ومتعلّقات تشكّل ذاكرة الكاتب وتاريخه المادي الصغير: أقلامه، الورق الذي كان يكتب عليه، دواة الحبر، نظارته، مكتبه الشخصي، مقعده، ثيابه، مراجعه، موسوعاته، معاجمه.. وإلى آخره من أشياء صغيرة وكبيرة.. تشكّل معاً حياة صامتة لإنسان كان ذات يوم ضميراً متكلماً في الحب، والحياة، والجمال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"