جنس أدبي مستقل

02:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

في كتابها «يوتوبيا.. المدينة المثقفة» تعرض خالدة سعيد، لما كتبته «نازك الملائكة» في العدد رقم 22 من مجلة «شعر» البيروتية الصادر عام 1961، إذ شنت الشاعرة الكبيرة آنذاك هجوماً عنيفاً على المجلة التي تسمي «النثر شعراً» في رأيها.

لم تتوقف خالدة سعيد أمام هذا الهجوم الكاسح، لكنها بينت أسبابه، فقد تناولت في عدد سابق من مجلة «شعر» ديوان محمد الماغوط «حزن في ضوء القمر»، وسمت نصوص هذا الكتاب شعراً، على الرغم من أنها لا تتوافر على وزن أو قافية، وهما علامتان رافقتا القصيدة العربية.

تلك كانت بوادر معركة أدبية أشار إليها الشاعر «أمجد ناصر» في مقدمته لكتابه «حياة كسرد متقطع وقصائد أخرى»، وفي تلك المقدمة يوضح ناصر أن نازك الملائكة، التي تراوح موقفها بين التجديد والمحافظة، ظنت أن خالدة سعيد وصفت كتاب الماغوط إياه بأنه «قصائد نثر»، وحسبتها بالتالي على الشعر، الذي له عندها، مهما تحدث وتجدد، علامات فارقة.

جاء في رد مجلة «شعر» الذي جاء من دون توقيع، ويرجح أن يكون كاتبه أدونيس، الذي اهتم في تلك الفترة مع أنسي الحاج بالتنظير لقصيدة النثر: «قصيدة النثر شعر، لا نثر جميل، ومكتملة ككائن مستقل وحي لا يقبل غير تسميته (......) إن خالدة سعيد سمت «حزن في ضوء القمر» شعراً، ولم تسمه قصائد نثر، فلم تبنت نازك الملائكة تسمية قصيدة نثر، ثم راحت تهاجم هذه التسمية على أنها من ارتكاب خالدة سعيد؟»، وأخيراً يقرر كاتب الرد على نحو قاطع: «إنتاج الماغوط في «حزن في ضوء القمر» شعر حر، وليس قصائد نثر».

بعد نحو خمسة عقود أو أكثر على ذلك التأكيد الحاسم الواعي في أن ما يكتبه الماغوط يوضع في خزانة «الشعر الحر» وليس في خزانة قصيدة النثر، من دون أن يجري نقاشاً جاداً حول قصيدة النثر.

يقول أمجد ناصر: «وقعت مثل غيري في هذا الالتباس الذي جعلنا نكتب قصيدة لها شكل قصيدة التفعيلة، وتقطيعها إلى أبيات على الصفحة، لكن من دون وزن، ونسميها «قصيدة نثر»، رافقني هذا الالتباس حتى بدأت كتابة ديواني «حياة كسرد متقطع»، طارحاً علي وربما على الشعرية العربية سؤالاً لم يبرح مذ ذاك: أهذه قصيدة نثر أم أقاصيص؟ شعر أم حكايات مبتسرة؟ لم يكن سهلاً تقبل نصوص هذا الديوان باعتبارها قصائد، وقصائد نثر بالتحديد، لأن الشكل السائد لقصيدة النثر العربية له هيئة قصيدة التفعيلة تماماً، نثريتها عند من يكتبونها تأتي من غياب الوزن ليس إلا».

غير أن هذا ليس فارقاً جوهرياً يميز بين القصيدتين، ليس في هذا فقط، يكمن النثر الذي تتطلبه قصيدة النثر، لأن الأخيرة ليست قادمة من التراث الشعري التقليدي المتعارف عليه، فهي ليست ابنة قصيدة التفعيلة، ولم تتحدر منها، مثلما تحدرت قصيدة التفعيلة من القصيدة العمودية، وهنا يوضح أمجد ناصر أن قصيدة النثر جنس أدبي مستقل، قائم بذاته، وهذا واقعها في الشعريات الغربية التي اقتبسنا منها مصطلح قصيدة النثر، وهو الأمر الذي لاحظه رد مجلة «شعر» على نازك الملائكة بخصوص قصائد الماغوط، فلم تسمِ أي شعرية في العالم «الشعر الحر» قصيدة نثر، لم يحصل هذا قط، إنه التباس عربي خالص، وسوء فهم لم يجد من يصححه على الرغم من المداد الغزير الذي سُفح في الدفاع عن «الشعر الحر» أو الهجوم عليه، الأمر الذي يفترض في المدافعين على الأقل، معرفة ما يعنيه مصطلح «الشعر الحر» ذو الأصل الأوروبي، شأنه شأن قصيدة النثر.

يتساءل أمجد ناصر: هل كان الوعي بقصيدة النثر كما هي عليه في مواطنها الأولى حاضراً في ذهني عندما كتبت «حياة كسرد متقطع»؟ ويجيب: ليس تماماً، كنت قد بدأت أعرف الفوارق بين «الشعر الحر» (الغربي) وقصيدة النثر، أول هذه الفوارق هو شكل القصيدة على الصفحة، كنت أعرف أنها كما سميتها قصيدة كتلة، لا تمييز لها، في الشكل، عن النثر العادي، وكنت أعرف أنها تتقبل السرد، وقادرة على استضافة الحكائي، ويمكن لها أن تكتب عن أي شيء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"