«الفرجان» ثقافة الخير والتعاون

سكن وسكينة
04:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

إعداد: أمل سرور

«فرجان» كلمة يعرفها تماماً المجتمع الإماراتي، مفردها «فريج» أي فريق، ويسمى أيضاً حارة، وهي الحي السكني. وترجع تسمية «الفريج» إلى كون المجتمع الصغير فيه يُشكل فريقاً واحداً مترابطاً، وفي بعض الأحيان كان يُعرف «الفريج» باسم القبيلة التي تقطنه أو العائلة، وكان اسمه أحياناً يستمد من العمل السائد لدى قاطنيه، وقد ينسب إلى صفة المكان الذي يقع فيه.

لا تقتصر أهمية «الفرجان» على كونها أماكن للسكن، ولكنها تعبّر عن ثقافة اجتماعية كانت سائدة في المجتمع الإماراتي، تلك التي تعني الترابط والتواصل بين الناس قديماً، فقد عاش الأجداد في تجمعات تسمى «الفرجان» وكل منها يضم ما يراوح بين أربعة إلى ستة منازل، يتعارف أهلها ويتواصلون، ويجتمعون على الخير والحب والتعاضد، ويتعاونون على جميع الأعمال، ويتبادلون الطعام والشراب، وينتصرون للجار إذا ما تعرّض المنزل لحادث ما، أو غاب «راعي البيت» أي ولي الأمر أو الوالد، في رحلة صيد أو رعي أو سفر أو للتبضع أو التجارة، وكان من المعروف في المنظومة الاجتماعية القديمة للأجداد أن لكل فريج قائداً، وهو رجل كبير السن، يثق به الجميع، ويعدّ المرجع الذي تسند إليه مسؤوليات كثيرة، كما أنه المستشار في القضايا والمشكلات التي قد تقع داخل القبيلة أو بين أفراد الأسرة الواحدة.

وعلى الرغم من أن «الفرجان» قد تختلف من مكان إلى آخر، إلا أن هناك ملامح عامة كانت تجمع بين مختلف الفرجان في الإمارات، فيتكون الفريج من بيوت العرشان أو الطينية متراصة ومتجاورة، وغالباً تصنع سقوفها من المدر والطين، وهي مواد متوافرة في البيئة المحلية، وكانت تتناسب مع طبيعة المناخ في المنطقة، وتعمل على التكيف معها، وتنساب بين هذه البيوت سكك ضيقة تعرف باسم «سكيك»، وممرات كانت معظم الوقت تعج بحركة سكان الفريج، وضجيج الأطفال وهم يلعبون في ألفة وأمان، وينتقلون بين بيوت الحي بحرية، نظراً للعلاقات القوية التي كانت تجمع سكان الفريج وكأنهم عائلة واحدة كبيرة، وبعض هؤلاء الأطفال كانت تجمعهم أخوة في الرضاعة، ومن الألعاب الشعبية التي كانت تمارس في الفريج «الصبة»، ويلعبها طفلان، إذ يقوم كل طفل بجمع ثلاث حصيات ووضعها بأماكن مختلفة على رسم مربع الشكل مرسوم على أرض رملية، ويحاول كل طفل تكوين خط مستقيم على الرسمة أولاً ليفوز.

صلاة ومجالس علم

كان «الفريج» يضم مسجداً يجتمع فيه السكان لتأدية الصلاة، خصوصاً صلاة الجمعة، ويجتمعون فيه بالمناسبات المختلفة، والكثير من الفرجان كان يضم مجلساً يجتمع فيه السكان من الأجيال المختلفة، ليتذكر الكبار تاريخ الآباء والأجداد، والأشعار والمآثر القديمة، ويحفظ عنهم الأطفال والصغار ما يقولونه، حيث كانت المجالس القديمة بمثابة مدارس لتناقل العلوم والآداب والعادات والتقاليد بين الأجيال المختلفة، وغالباً ما كانت تشهد نهاية كل يوم تجمع الرجال في المجلس ليصنعوا قهوتهم، ويتبادلوا الأخبار والسوالف على إيقاع الشعر، أو الاستماع إلى حكايات الصيد والرعي اليومية، وأخبار التجار العائدين من رحلتهم التجارية، ويستمر الرجال في سمرهم حتى صلاة العشاء، وبعدها يخلد الجميع للنوم، ثم ينهضون مع صلاة الفجر، فيؤدون فرضهم، ثم ينتشرون في الصحراء طلباً للرزق أو الصيد أو الرعي، وهي المهن التي يعرفها البدو ويتوارثونها عن أجدادهم. أما النساء فيجتمعن في بيت إحداهن «ليتقهوين» أي يحتسين القهوة، ويتناولنها مع التمر أو وجبة خفيفة يقمن بإعدادها سريعاً.

بينما كان «دكان الفريج» هو المصدر الذي يحصل منه سكان الحي على احتياجاتهم من البضائع والبقالة وغيرها، حيث كانت احتياجاتهم في ذلك الوقت بسيطة، وتعتمد على الاحتياجات الأساسية. كما كان الفريج يضم كتّاباً أو منزلاً لمحفظ أو محفظة القرآن، إذ كان يتلقى أبناء الحي تعليمهم القائم على حفظ القرآن الكريم والتفسير والفقه وأصول اللغة العربية، أما متطلبات أهل الفريج من المياه فكانوا يحصلون عليها من «السقاي»، الذي كان يطوف بين بيوت الفريج حاملاً المياه على ظهره، بعد أن يجلبها من «الطوي» البئر القريب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"