الزمخشري.. صاحب «الكشاف في تفسير القرآن»

قامات إسلامية
02:36 صباحا
قراءة 5 دقائق
بقلم: محمد حماد

إمام في علم الحديث، حتى قيل إنه رائد علم الحديث، وقد تتلمذ على يديه كثير من الطلبة الراغبين في العلم، كما أنه إمام في التفسير وكتابه «الكشاف في تفسير القرآن» من أشهر كتب المفسّرين بالرأي، وهو على رأس الماهرين في اللغة العربية ومن أئمة المعاني والبيان، والنحو والبلاغة، وهناك الكثير من الاستشهادات من كتب الزمخشري تُدرج للاحتجاج بها، فيقال: قال الزمخشري في كشافه، أو قال الزمخشري في «أساس البلاغة»، الذي يعد من أهم المعاجم اللغوية القديمة التي تولي اهتماماً بالألفاظ العربية ومفرداتها، وقد رتب مواد الكتاب ترتيباً ألفبائياً حسب حروف المعجم، ويقوم الزمخشري في الكتاب بشرح الكلمة في العربية ويدعم هذا الشرح بالقرآن والأحاديث والأشعار والأمثال العربية ويذكر الاستعمالات المجازية للكلمة.
والإمام الزمخشري صاحب رأي وحجة في الكثير من المسائل في اللغة العربية، وليس من الذين ينهجون نهج غيرهم ويجمعون وينقلون لأنه صاحب رأي وحجة فغيره يَنقل عنه ويأخذ منه، وله الكثير من التصانيف في التفسير والحديث واللغة والنحو والبيان والمعاني وغيرها.
وهو من أئمة المعتزلة ومن دعاتها الكبار، وهي- بحسب توصيف أئمة السنة والجماعة- فرقة مبتدعة من أبرز عقائدها: القول بخلق القرآن الكريم.


إمام عصره


قال عنه الذهبي: «الزمخشري هو العلامة وكبير المعتزلة، وكان داعية إلى الاعتزال سامحه الله تعالى»، وقال عنه السمعاني: «برع في الآداب وصنّف التصانيف، ورد العراق وخراسان، ما دخل بلداً إلا اجتمعوا عليه، وتتلمذوا له، وكان علّامة نسّابة». وقال ابن خلكان: «كان إمام عصره غير مدافع، تشد إليه الرحال في فنونه، وكان معتزلي الاعتقاد، متظاهراً به، أي لا يخجل من إعلانه وإظهاره».
هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، ولد في قرية زَمخشَر عام 1074م الموافق لرجب 467ه، وإليها يرجع لقب الزمخشري،
وتقع زمخشر في إقليم خوارزم في الجنوب الشرقي من آسيا الوسطى، ولم تكن زمخشر في عهده مقراً للحكم، لكنها كانت قرية كبيرة من قرى خوارزم.
درس في بخارى وسمرقند ثم انتقل إلى بغداد ليصحب كبار العلماء، ثم انتقل بعد ذلك إلى مكة المكرمة وجاور بها زماناً واشتهر هناك بلقب «جار الله الزمخشري»، وقد نشأ الزمخشري وعاش أكثر حياته في آسيا الوسطى، وكانت المنطقة التي نشأ بها متعددة اللغات، فالعربية لغة الدين والعلوم، والفارسية لغة أدبية صاعدة، والقبائل التركية أو الكردية تتعامل بلهجاتها أيضاً في معاملاتها اليومية، وفي هذه الظروف كانت اللغة العربية هي لغة الصفوة المتميزة من العلماء، وهي اللغة المنشودة فكان كل من أراد العلم وفنونه يبدأ بإتقان العربية وكذلك كان كل من يتطلع إلى امتزاج كيانه بالإسلام يجيد العربية.


تفوق «العربية»


تهيأت أمام الزمخشري الظروف لتعلم العربية والتبحر فيها منذ نعومة أظفاره؛ إذ يقول ابن خلكان: «إنه لما بلغ سن الطلب رحل إلى بخارى لطلب العلم». وبخارى يومئذ كانت مشهورة بالآداب؛ إذ يصفها الثعالبي بقوله: «كانت بخارى في الدولة السامانية بمثابة المجد وكعبة الملك ومجمع أفراد الزمان ومطلع نجوم أدباء الأرض وموسم فضلاء الدهر» وقد دفع به والده إلى هناك لدراسة العربية والأدب ليحظى بالمناصب التي كان يرقاها كل أديب نابغ في عهد نظام الملك.
تتلمذ الزمخشري على محمود بن جرير الضبي الأصفهاني أبو مضر النحوي المتوفى سنة 507 هجرية والذي كان يلقب بفريد عصره ووحيد دهره في علوم اللغة والنحو ومضرب المثل في الكثير من الفضائل. وقد أقام بخوارزم مدة وانتفع الناس بعلومه ومكارم أخلاقه وأخذوا عنه علماً كثيراً وتخرج عليه جماعة من الأكابر في اللغة والنحو غير أنه هو الذي زرع في خوارزم مذهب الاعتزال.
على الرغم من أن الزمخشري كان فارسياً فإنه كان يفضل اللغة العربية، وألف فيها تصانيف كثيرة، وجاء في دائرة المعارف البريطانية في مادة الزمخشري: «على الرغم من أن بعض أعماله بالفارسية، فإنه كان من المؤمنين بتفوق اللغة العربية ومن المعارضين للشعوبية».


ذكاء وعلم واسع


توزعت حياة الزمخشري بين طلب العلم والتأليف في شتى العلوم، وبلغ إنتاجه العلمي نحو خمسين مؤلفاً في العلوم الدينية واللغوية والنحوية والأدبية والبلاغية وغيرها، ونال ثناء علماء الإسلام، قال عنه الذهبي: «الزمخشري كان رأساً في البلاغة والعربية»، وقال السيوطي: «كان واسع العلم كثير الفضل غاية في الذكاء وجودة القريحة، متفنناً في كل علم، معتزلياً قوياً في مذهبه، مجاهراً به حنفياً»، وذكر ابن حجر العسقلاني أنه: «كان في غاية المعرفة بفنون البلاغة وتصريف الكلام»، واعتبره ياقوت الحموي «إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب، وأنه واسع العلم، كبير الفضل، متفنن في علوم شتى»، ووصفه صاحب كتاب «تاج التراجم» بأنه «إمام عصره بلا مدافعة»، وأشاد بمكانته ابن خلكان فذكر أنه: «الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، ومن أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه».
وتفسيره المسمى «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل» من أهم التفاسير التي تميزت بالجمع بين اللغة وعلومها، والعقائد والتوحيد، لكن على مذهب المعتزلة، وكما كان «تفسير الطبري» على قمة التفسير بالمأثور، فقد جاء تفسير الزمخشري قمة في التفسير بالرأي على مذهب المعتزلة، وقد اعتنى كثير من علماء الأمة بهذا التفسير لجودته ونفاسته، سواء من ناحية الرد على ما بألفاظه من اتجاهات اعتزالية، وتقريرات مذهبية نحو المعتزلة، أو تخريج أحاديثه وتحقيقها، وعادة ما يقرن تفسير الكشاف بكتابين هما كتاب (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال) لابن المنير الإسكندري، وكتاب (الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف) لابن حجر العسقلاني.


الغوص في المعاني


وعن تفسير الزمخشري يقول الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة: «إن تفسير الكشاف من خير كتب التفسير وأجلها، ولولا نزعته الاعتزالية في بعض الآيات القرآنية، لما تناوله المعترضون بالنقد، ولما شنأه بعض الناس، وبحسب هذا الكتاب فضلاً ومنزلة: أن كل من جاء بعد الزمخشري عالة عليه فيما يذكره فيه من أسرار الإعجاز والغوص في المعاني البلاغية الدقيقة».
ومن كتبه أيضاً: «ربيع الأبرار ونصوص الأخبار» ويعد الكتاب بأجزائه الخمسة، من الكتب المهمة التي تتناول الشعر والتاريخ والأدب وكل أصناف العلوم، جمع فيه الزمخشري ما يتصل بكل موضوع من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ما ورد عنه من أقوال الصحابة ويتبعه بأقوال التابعين والعبّاد والزهاد والنساك، والحكماء من العرب والفرس، والشعراء إن وجد شعراً بمعناه, وله أيضاً: كتاب الفائق في تفسير الحديث، وكتاب المنهاج في الأصول، والمفصّل في النحو، وكتاب الأمكنة والجبال والمياه في الجغرافيا.
في نهاية الرحلة عاد الزمخشري إلى خوارزم؛ حيث توفي في عاصمتها الجرجانية عام 1143م الموافق لليلة عرفة 538 ه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"