«الـدخــون».. هوية تفوح بالكرم

سكن وسكينة
04:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: أمل سرور

«الدخون» عُرف تراثي أصيل شاهد على الماضي وحاضر في كل تفاصيل هوية البيوت الإماراتية، لا يفوج بالأطيب فحسب؛ بل يرقى إلى أن يكون ثقافة مجتمعية، فتعطير وتبخير الضيوف مؤشر كرم وتقدير، وله تقاليد خاصة، أشهرها عبارة «بعد العود قعود»، وعادات تتصل بكيفية تقديم العود في المجمرة للضيف؛ حيث يقوم بهذه المهمة شخص مخصص وهو نفسه ساقي القهوة العربية، أما في مجلس النساء فتقوم مدبرة المنزل أو إحدى الفتيات بنفس المهمة.

الحديث عن خليط البخور الإماراتي القديم يطول، ومر بالعديد من مراحل التطوير والتعديل نظراً للخامات التي تمت إضافتها بمرور الوقت والتي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بحركة التجارة والملاحة والبضائع التي تم استيرادها من الهند وكمبوديا وغيرها من الدول الشهيرة بمستخلصات الأشجار العطرية والتي تمتلك باعاً طويلاً في استخلاص دهن العود ودهن الورد وغيرها من المكونات الشائعة، وكانت أفضل المنتجات الخاصة بصناعة الدخون تلك التي يتم تركيبها من عرق الزعفران والمسك إلى جانب دهن العنبر عبر سحقها جميعاً في إناء معدني مخصص لخلطة التركيبة ويتم تركها لمدة 3 أيام لتمر بعملية التخمير البطيء، ولأنها عملية طويلة ودقيقة وتحتاج إلى مهارة عالية إلى جانب ارتفاع سعر المكونات الأساسية، لذلك فإن العديد من منتجات البخور الإماراتية تكون غالية الثمن وتعتز السيدات الإماراتيات بقدرتهن على تقديم هذه الدخون والتباهي بروائحها في المجالس والمناسبات.

وخلطات «الدخون» متعددة، لكن المتفق عليه أنها عبارة عن كرات معجون لينة توضع على الجمر في «المدخن» فتفوح رائحتها في أرجاء المكان، وتقف المرأة أو الرجل قريباً منها لتعطير ثيابه وجسده، ويختلف «الدخون» باختلاف تركيبته من المواد الخام، فكلما ازدادت فيه نسبة العود النقي والعنبر كان أكثر قوة، وهو يستخدم في جميع المناسبات ويكثر الإقبال عليه في الأعياد والأفراح والمناسبات الاجتماعية وفي ليالي الجمعة.

سر الحرفة

لعل من أسرار هذه الحرفة التي يعرفها قليل من الناس؛ هي مرحلة «التخمير» التي يمر بها، والتي تبدأ بعد خلط المواد العطرية الخام بنسب متفاوتة، ثم يوضع الخليط في أداة تُعرف باسم «المخمرية» وكلما زادت مدة تخميره، امتزجت المواد بصورة أقوى وأعطتنا عطراً نفاذاً قوياً، وتستغرق المدة ما بين 4-6 أشهر تقريباً، وهذه هي القاعدة الثانية بالنسبة لصناعة خلطات العود، أما القاعدة الأولى فهي اختيار المواد الأصلية ومعرفة نسبها، لأن من أهم قواعد «التخمير» أنه كما عُتق العود أكثر كلما فاحت رائحته بقوة.

ومن أفضل أنواع الدخون هي تلك التي تصنع بخلط المسك والعنبر بعرق الزعفران والياوي.

والمرأة الإماراتية منذ القدم نجحت في التفرقة بين الأنواع الجيدة والأخرى الدخيلة، وبين أنواع العنبر والمسك والعرق الأصلية بمجرد فتح إناء البخور، والسبب أن كل الخامات التي كن يستخدمها الجدات أصلية وتأتي مباشرة إما من البيئة المحلية أو يحضرها الصيادون معهم من الهند.

وتظل الطريقة التقليدية في صناعة «الدخون» سر من أسرار الجدات، إلا أن المتاح منها هو تلك الطريقة التي كن يشترين فيها قطع العنبر من السوق لتيتم تذويبها بقليل من الماء والسكر حتى تلين وتصبح جاهزة للخلط مع «الدكة» أو مسحوق الأخشاب، الذي يضاف بكميات تتوافق مع كمية العنبر السائل، وما إن يتماسك الخليط تضاف إليه كمية من العطر ليتشبع الخليط به، وهنا كانت تكمن جودة البخور.

ولا تزال مجالس البيوت الإماراتية عامرة بأفضل الدخون، ولا يوجد عرس أو مناسبة إلا وتفوح فيها أطيب الروائح، وهو ما يؤكد ملازمة الطيب للرجال والنساء والذي كانت تصنعه الجدات في بيوتهن منذ زمن بعيد، وعلى الرغم من انتشار البخور الجاهز واستحداث بعض الخلطات، فإن الخلطات الإماراتية الأصيلة ما زالت تحتفظ بتاريخها و أسرارها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"