«جود ريدز».. الأدب الكلاسيكي في خطر

03:14 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد إسماعيل زاهر

لا أدري لماذا استحضرت رواية راي براد بوري «فهرنهايت 451» وأنا أطالع قائمة موقع «جود ريدز» لأسوأ الكتب العربية. منذ شهر تقريباً قرأت موضوعاً عن قوائم الكتب السيئة في الغرب، وهو موضوع متكرر، فبحثت عن قائمة عربية مماثلة فعثرت على قائمة «جودريدز» التي كانت تتضمن 629 كتاباً، أما الآن فقد اتسعت لتستوعب 648، أي أنها تتجدد من قبل أعضاء الموقع الذين يصوتون باستمرار على الكتب الرديئة.
أما ما هي العلاقة بين القائمة والرواية الشهيرة، فربما يعود ذلك إلى تلك الأسماء التي شملتها القائمة وتتقاطع بدرجة ما مع أسماء كان القانون يحرم قراءتها في مجتمع غاي مونتاغ بطل تلك الرواية.
يحتل قمة القائمة منذ شهر ولا يزال، الممثل أحمد حلمي بكتابه «حرف 28»، يليه علاء الأسواني بروايته «شيكاجو»، في المركز الرابع «ظل الأفعى» ليوسف زيدان، وفي الخامس «الأسود يليق بك» لأحلام مستغانمي، وفي السادس «الفيل الأزرق» لأحمد مراد، وتستمر الأسماء الأدبية العربية الجديدة تحتل المواقع المتقدمة في القائمة، هناك أثير النشمي وأحمد خالد توفيق وعصام يوسف وعمر طاهر وأحمد العسيلي وبلال فضل ومحمد صادق، وهذا الأخير صاحب رواية «هيبتا» وآخر مرة رأيت هذه الرواية منذ سنتين وكان غلافها مزيناً ب«الطبعة العشرون»، ولكن يلاحظ أن المراكز الثلاثين الأولى تتضمن أكثر من عمل ليوسف زيدان وأحلام مستغانمي وأحمد مراد، أي أن الأكثر مبيعاً وفق قوائم أخرى والأكثر شهرة بمعيار الظهور الإعلامي يأتي لدى جمهور «جود ريدز» في مقدمة الأسوأ، هل يؤشر ذلك إلى أنه لا علاقة للمبيعات والشهرة بالجودة الأدبية؟ ولكن هل يمكن اعتبار جمهور الموقع بمثابة نقاد يؤخذ رأيهم في الاعتبار عند التعامل مع الأدب بعلمية وموضوعية؟ وهل يتمرد، جمهور الموقع، على بعض الكتاب الذين قالوا عن أنفسهم دائماً، وقيل عنهم كثيراً، إنهم يراعون مناخ العصر في كتاباتهم، من حيث كتابة روايات سريعة الأحداث محكمة الحبكة تركز على الصورة. هنا قد تكون تلك النتيجة مرضية جداً للناقد الكلاسيكي، ذلك المنزوي في برجه العالي حالياً، والذي يرفض الكثير من الأكاذيب المتعلقة ب«زمن الرواية».
ولكن عندما نصل للمركز الرابع والثلاثين في القائمة ستقابلنا «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، وفي المركز السابع والأربعين «قمر على سمرقند» لمحمد المنسي قنديل، وفي المركز الثاني والخمسين «جوع» لمحمد البساطي، وفي الخامس والخمسين «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، وفي مراكز أخرى نعثر لمحفوظ على روايات «اللص والكلاب»، و«عصر الحب» و«السراب»، نمل من المراكز ونسرع لنقرأ الأسماء من دون ترتيب، هناك «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و«الزويل» لجمال الغيطاني، وكل أعمال صنع الله إبراهيم تقريباً، و«الأيام» لطه حسين، و«الخبز الحافي» لمحمد شكري، و«وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر، و«يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم، و«رباعيات»صلاح جاهين، و«قصة حب مجوسية» و«حين تركنا الجسر» لعبد الرحمن منيف، و«شرفة العار» لإبراهيم نصر الله، و«العيب» ليوسف إدريس، «و نقطة النور» لبهاء طاهر، و«السائرون نياما» لسعد مكاوي، و«مجنون الحكم» لبنسالم حميش، و«فساد الأمكنة» لصبري موسى، هذا فضلاً عن أعمال ليوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وخيري شلبي وجبران خليل جبران وغازي القصيبي والمهدي المنجرة وهاشم صالح وعبد الإله بن عرفة وتميم البرغوثي ومصطفى محمود وجرجي زيدان وحازم صاغية وأنيس منصور..الخ.
وهناك ملاحظة شكلية نلمحها ونحن نتجول في هذه القائمة، أولاً تلك الأغلبية الساحقة للرواية، مع غياب شبه مطلق لأنواع الأدب، أو الكتب، الأخرى، ربما نعثر على ديوان «قالت لي السمراء» لنزار قباني، أو كتاب في الفلسفة، أو نتساءل عن المركز المتقدم ل«الكتاب الأخضر» للقذافي، 25، وبرغم أن التصويت على القائمة يشترط أن يكون الكتاب عربياً إلا أننا نجد «آنا كارنينا» لتولستوي، و«كوخ العم توم» لهارييت ستاو.
إذن إذا كانت المراكز الأولى مفرحة لناقدنا الكلاسيكي صاحب الأفكار والنظريات الكبرى، فإن بقية القائمة محبطة للجميع، فلا يوجد اسم لامع في مسار الأدب العربي خلال القرن العشرين لم يوجد في المقدمة، قد يقول البعض وماذا إذا كانت هذه الرواية لنجيب محفوظ أو تلك للطيب صالح ضمن «الأسوأ»، إنه في النهاية حكم وتصويت على الكتاب وليس على الكاتب، ولكن الذائقة الأدبية والمعايير الجمالية والقراءات النقدية لا يمكن أن تتقبل بسهولة أن روايات مثل:«أولاد حارتنا»، و«موسم الهجرة إلى الشمال»، و«الأيام»، و«حين تركنا الجسر»، و«ثلاثية غرناطة»، و«الخبز الحافي» ضمن الأسوأ، هنا ربما ننتقل من الجمالي إلى الفكري، فالأزمات حول «أولاد حارتنا» و«الخبز الحافي» معروفة، أما المعايير التي على أساسها تم اختيار بقية تلك الأعمال فمجهولة، يلاحظ أيضاً أن معظم أعمال روائيين مهمين مثل المنسي قنديل وصنع الله إبراهيم ضمن القائمة.
إذن ما الذي يجمع بين أحمد حلمي ونجيب محفوظ، أو الطيب صالح؟ لا معيار نقدي أو جمالي أو ثقافي يمكننا الالتفات إليه في هذه الحالة، وإنما هو قانون مواقع القراءة المفتوحة على آراء وأهواء من الصعب تفهمها، وهنا نحن نقوم برصد خارجي شكلي أي لم نتورط في قراءة التعليقات التي على أساسها وضعت «أولاد حارتنا» أو غيرها من علامات الأدب العربي ضمن قائمة الأسوأ، فذلك يحتاج إلى دراسة خاصة للاقتراب أكثر من ذهنية هؤلاء القراء الذين صوتوا على تلك القائمة.
في مجتمع «فهرنهايت 451» احتالت السلطة بأساليب شتى لكي يكره البشر سويفت ودانتي وفوكنر وويتمان..الخ، فهذه الأعمال لا تقول شيئاً يمكن ترجمته على أرض الواقع، ورويدا رويدا حرمت تلك الكلاسيكيات وحرقتها، الأخطر من ذلك أن الإنسان العادي إذا عثر على أحد تلك الأعمال حرقها بنفسه، الرواية المكتوبة سنة 1953، كانت تتنبأ بأن مصير الكلاسيكيات إلى الزوال، بفعل صعود مجتمع الاستهلاك، والتكنولوجيا التي ستحتل مكان الأدب الرفيع في قلب الإنسان، ويبدو أن قائمة «جود ريدز» لأسوأ الكتب العربية، أو قوانين القراءة كما تصوغها التكنولوجيا الآن، تؤشر إلى ظلال من تلك الرواية في الحالة العربية، فهي تقول بطريقة مستترة للأجيال الجديدة لا تقرأوا تلك الكلاسيكيات.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"