الهزيمة بانتظار أردوغان في ليبيا

03:21 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

الخطوات السريعة التي يمضي بها التدخل العسكري التركي في ليبيا تشعل التوتر في منطقة شرق المتوسط بصورة بالغة الخطورة، يمكن أن تنطلق منها شرارات حرب إقليمية.. وحتى إذا لم يحدث ذلك فإن هذه الخطوات تنطوي على إمكانات حدوث تداعيات خطرة على الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة وما حولها.
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد 5 يناير/كانون الثاني عن بدء تحرك وحدات من جيش بلاده بالفعل إلى ليبيا؛ لدعم حكومة فايز السراج في طرابلس.
ويأتي هذا التطور الخطر بعد أيام قلائل من موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية نظامية إلى ليبيا؛ بناء على طلب أردوغان، وتطبيقاً ل«مذكرة التفاهم الأمني» التي وقعها الأخير مع فايز السراج، رئيس ما يُعرف ب«حكومة الوفاق الوطني» في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي كان البرلمان التركي قد صادق عليها على الرغم من افتقارها لأي أساس قانوني؛ حيث إن البرلمان الليبي لم يصادق عليها، كما تقضي بذلك المادة الأولى من «اتفاق الصخيرات/ 2015» الذي يفترض أن وجود السراج نفسه يستند إليه - علماً بأنه لم يحصل هو وحكومته على ثقة البرلمان أصلاً.. وبالتالي فإن وجوده في السلطة غير شرعي!! ولا يحق له توقيع أية اتفاقات.

الإرهابيون.. طليعة التدخل!!

والواقع أن أردوغان لم ينتظر حتى تصديق البرلمان التركي؛ لكي يرسل قوات إلى ليبيا، فقد شهدت الأسابيع الماضية - مع اشتداد حصار قوات المشير حفتر لطرابلس - إرسال دفعات كبيرة من الإرهابيين المتمرسين في القتال من سوريا إلى ليبيا، يقدر عددهم بأكثر من ألف إرهابي.. ولا تزال الدفعات تتوالى.
ومعروف أن إرسال تركيا للإرهابيين والأسلحة إلى ليبيا ليس بالأمر الجديد، فهو يعود إلى ما بعد سقوط نظام القذافي مباشرة.. غير أنه اتخذ أساساً شكل إرسال الأسلحة لميليشيات «الإخوان» وغيرهم من الفصائل الإرهابية والمتطرفة التي تستند إليها حكومة السراج.
غير أنه مع توالي انتصارات الجيش الوطني الليبي، وحصار طرابلس، اتسع نطاق التدخل العسكري التركي؛ بحيث أصبح يمثل نقلة نوعية قياساً بما مضى، ويهدد بالتحول إلى غزو فعلي، في إطار مشروع واسع للهيمنة الإقليمية.

تداعيات خطرة

ونبادر إلى القول إن خطة أردوغان مستحيلة النجاح، (بمعنى السيطرة على ليبيا، والانطلاق منها لتهديد مصر وتونس والجزائر)، واستعادة أمجاد الخلافة العثمانية الغابرة!؛ لأن هذه الخطة تصطدم بمصالح قوى إقليمية ودولية كبرى، كما سنوضح.. لكن نجاح تركيا في تحقيق قدر معتبر من خطتها (بمعنى السيطرة على طرابلس ومساحة كبيرة نسبياً من الأرض حولها) هي في حد ذاتها مسألة بالغة الخطورة.
1- وأول تداعياتها هي إطالة أمد الحرب الأهلية الليبية لسنوات طويلة، بما يعنيه ذلك من بقاء البلاد في حالة الدولة الفاشلة، وبما يعنيه أيضاً من إهدار المكاسب التي تحققت على يد الجيش الوطني الليبي، وعودة الفوضى المطلقة والإرهاب، واستفحال الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، إلى ما كانت عليه في سنوات سابقة.
2- إعادة بؤرة الإرهاب - وبقوة أكبر - إلى الحدود الغربية لمصر (1250كم) وإلى حدود الجزائر وتونس «غرباً» والحدود الشمالية لدول الصحراء «تشاد والنيجر ومالي» وامتداداتها إلى بقية الصحراء الإفريقية الكبرى، وصولاً إلى الساحل الغربي لإفريقيا «نيجيريا/ حيث بوكو حرام» وبوركينا فاسو وغيرها.. علماً بأن مساحة ليبيا نفسها تبلغ (1.7 مليون كم2) ومساحة الجزائر تقترب منها، ودول الصحراء كلها ليس لديها مؤسسات أمنية وعسكرية قوية تمكنها من التصدي للإرهاب.. ومن شأن وضع كهذا أن يهدد الجهود الهائلة التي تم بذلها في مصر وليبيا؛ للقضاء على الإرهاب (أو تحجيمه بشدة) وأن يخلق مساحة شاسعة للغاية يرتع فيها الإرهاب بدون كابح جدي، وفي مواجهة القارة الأوروبية مباشرة، عبر البحر المتوسط. وهذا وضع لا يمكن أن تسمح به الدول الأوروبية الكبرى، خاصة المطلة على المتوسط.. وبدهي أن مصر والجزائر لن تسمحا به؛ لما يمثله من خطر بالغ الفداحة على أمنهما القومي.
3- الإخلال الفادح بموازين القوى في منطقة شرق المتوسط المتصلة بالشرق الأوسط والجناح الجنوبي لحلف الأطلسي، فضلاً عن قربها من الممرات المائية الدولية بالغة الأهمية «قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق باب المندب».
4- علماً بأن مثل هذا الخلل في موازين القوى سيتيح لتركيا تنفيذ المذكرة الثانية التي وقعها أردوغان مع السراج؛ وهي مذكرة «تقسيم الحدود البحرية» التي تجاوزت حقوق اليونان وقبرص، والعبث بسوق البترول والغاز الأوروبية، وهو ما يصعب تصور أن تسمح به الدول الأوروبية الكبرى. ولنلاحظ مثلاً التحول في موقف إيطاليا للاقتراب من حفتر، والابتعاد عن السراج، والإدانة الأوروبية الجماعية للتدخل التركي في ليبيا. وبهذه المناسبة نقول إن خطوة تركيا قد حكمت مسبقاً بالموت على مؤتمر برلين المزمع عقده هذا الشهر؛ لتسوية الأزمة الليبية، وحتى لو انعقد.. فسيكون مطلبه الأول انسحاب تركيا..

توقعات

أولاً- نعتقد أن توسع التدخل العسكري التركي في ليبيا سيثير غضباً متزايداً في أوروبا، وكذلك لدى روسيا، اللاعب القوي الآن في شرق المتوسط والشرق الأوسط.. وبدهي أن فرنسا وإيطاليا لن تفرطا في مصالحهما النفطية الضخمة في ليبيا «شركة توتال الفرنسية/ وإيني الإيطالية».. ولن يفرط الاتحاد الأوروبي في هذا المصدر القريب والغني للنفط والغاز.. وإذا لم يحدث تدخل عسكري أوروبي فإننا نتوقع أن تواجه تركيا بعقوبات اقتصادية قاسية جداً، تحملها على إعادة النظر في موقفها في ليبيا «علماً بأن بريطانيا وأمريكا لهما مصالح نفطية».
ثانياً - نتوقع أن تضع مصر إلى جانب عدد من الدول العربية كل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري، خلف الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، وبرلمان وحكومة الشرق «بنغازي»؛ بحيث يستطيع مواصلة القتال ضد قوات التدخل.. وأن تقدم للجيش الوطني كل إمكانات الصمود؛ بحيث يتحول الوجود التركي في ليبيا إلى مصدر نزيف غير محتمل.. ونعتقد أن الدول الأوروبية الكبرى ستقدم مساعدات جدية في هذا الصدد؛ دفاعاً عن مصالحها.
ثالثاً - لقد اتخذ البرلمان الليبي «بنغازي» قرارات بإلغاء الاتفاقين (الأمني والبحري)، وإحالة السراج ووزير خارجيته إلى القضاء؛ بتهمة «الخيانة العظمى».. ولفت النظر إلى أن «اتفاق الصخيرات» لم تتم المصادقة عليه أصلاً من جانب البرلمان.. ونعتقد أن هذه الخطوة ستلقى دعماً قوياً من الدول العربية المذكورة، وستكون أساساً لنزع الشرعية عن حكومة السراج.. وهو ما نعتقد أنه سيلقى قبولاًَ أوروبياً وروسياً وصينياً.. وقد يستغرق الأمر بعض الوقت؛ لكن أردوغان سيجد نفسه مضطراً للانسحاب في نهاية المطاف.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"