مدار للإبداع الحقيقي

03:02 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

يقدر لدولة الإمارات ذلك الاهتمام الذي يعتبر الأكبر في العالم العربي بشريحة «أصحاب الهمم»، ولعل إنجاز الدولة ليس فقط في التسمية التي أطلقتها على هذه الفئة من المجتمع؛ بل بالبرامج المعرفية والثقافية تحقيقاً لهدف أسمى وهو ألاَّ يفرق المجتمع بين أفراده، وهذه المسألة تفتقدها كثير من الدول في المنطقة، والواقع أن هذه الجهود إنما تؤسس للصورة المطلوبة في التعامل مع هذه الشريحة المهمة والمؤثرة، بعيداً عن لغة العواطف والمشاعر من حزن وشفقة، نحو التقبل والدمج في المجتمع بصورة تحرر طاقات أفراد أصحاب الهمم ليبرزوا في كل المجالات، وبصورة خاصة في جوانب الإبداع والثقافة والمعرفة.
إن الأدب هو المجال الإبداعي الذي يعبر فيه المرء عن تجربته ومعاناته بشكل حقيقي ومتخيل كذلك، ولئن كانت صورة أصحاب الهمم قد تم التطرق إليها وتناولها في الأدب والفنون العالمية والعربية من رواية ومسرح وسينما ودراما، فإن أفضل من يمكن أن يتحدث عن هذه التجربة ويتناولها هم أصحاب الهمم أنفسهم، عبر كل أشكال الفنون الإبداعية. فهذه المسألة ستقربنا كثيراً من عوالمهم، كما أنها ستتيح لهم التعبير عن أنفسهم ومشاكلهم وتطلعاتهم؛ بل وفلسفة بعضهم في الحياة، حيث إن الصورة المرسومة عن هذه الشريحة الاجتماعية المهمة والمؤثرة في الأدب تشكلت عن رؤية لكتاب ومبدعين من خارجهم، ركزت على الجوانب الإيجابية، ونجد بعض الأعمال الفنية والأدبية تناولت هذا الموضوع بطريقة مجحفة، إما بإظهار سلبية أو مبالغة بقوة، غير مكترثة بما يترتب عليها من تأثير وتداعيات، وأحياناً تقتصر بشكل عام في جوانب عاطفية تدعو للتعاطف وتحتشد بمشاعر الشفقة، وهذه جوانب شكلانية، تحمل رسالة المؤازرة والتضامن، ولكنها تكون أحياناً أكثر ضرراً على هذه الفئة، كما أنها تفرض نوعاً من الوصاية عليها؛ إذ تصورها كفئة أو شريحة اجتماعية ضعيفة وبحاجة مستمرة للرعاية والعناية.
والحقيقة أن العديد من الدول اهتمت بهذه المسألة وسعت إلى خلق برامج كتابية يبرز من خلالها موهوبون من أصحاب الهمم، ولعل دولة الإمارات السباقة في هذا الشأن وضعت العديد من البرامج والأفكار التي تهتم بمواهب وإبداعات أصحاب الهمم، من أبرزها مسابقة أطلقت هذا العام من قبل برنامج خليفة للتمكين «أقدر»، بالتعاون مع «مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم»، وهي عبارة عن كتابة لأصحاب الهمم، تهدف إلى التعرف إلى مهاراتهم في الكتابة، وفتح المجال لهم لعرض أفكارهم بطرق إبداعية عن طريق فن القصة القصيرة، عن أي موضوع من اختيار المتسابق من أصحاب الهمم، وتشمل مواضيع متنوعة ما بين «قصة نجاح» و«قصة ملهمة»، أو «قصة عن تحدٍ خضته ونجحت فيه»، ويفضل أن تكون مستوحاة من تجربة الكاتب.
هذه خطوة جبارة مهمة وتمثل بالفعل فتحاً كبيراً في مجال الأدب، حيث يتحول الأشخاص الذين كانوا موضوعاً للكتابة إلى مؤلفين وكتاب ومبدعين، وذلك سيقود إلى أدب حقيقي يكتب بمعاناة وتجربة حقيقيتين، كما أنها ستسهم في عملية دمج حقيقية فاعلة لأصحاب الهمم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"