ولولم يكن حق استمتاع الزوجين ببعض واجباً دينياً وملزماً قضائياً، لما عبر القرآن الكريم بهذا التعبير الجميل حيث قال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، فيبلغ أحدهما من الآخر من الانضمام والازدواج لدرجة أن كلاً منهما يصبح كاللباس الذي لا يفارق البدن، ولن يتم هذا الاستمتاع إلا بالجماع.
من أجل ذلك فإن الإسلام أوجب على الزوج أن يجامع زوجته لأن ذلك حق مشروع لها وليس باختياره، كما أوجب على الزوجة أن تطيع زوجها إذا دعاها إلى الفراش، فهو من جهة عبادة وديانة، ومن جهة متعة وقضاء، فلكل منهما أن يطالب بحقه شرعاً وقضاء متى لم يكن هناك مانع شرعي أو صحي. (انظر البدائع للكاساني ج 2 ص 489، والمغني لابن قدامة ج 7 ص 30).
ولقد ظن بعض الصحابة أن الانقطاع إلى الصلاة والصيام يرضي الله تعالى ورسوله أكثر، فهمّوا أن يفعلوا ذلك، ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم وقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له،ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (رواه البخاري).
مثل هذا الحديث فيه رد على الذين يمنّون على زوجاتهم بالمعاشرة الزوجية، فيذهبون إلى سرير نومهن متى أرادوا لا متى أردن.
وهناك قصة أخرى رواها الشعبي «أن كعباً بن سور كان جالساً عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فجاءت امرأة وقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائماً، ويظل نهاره صائماً، فاستغفر لها وأثنى عليها، واستحت المرأة وقامت راجعة.
فقال كعب: يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها؟ قال عمر: وما شكت؟ قال كعب: إنها شكت زوجها أشد الشكاية.
قال عمر: أوذلك أرادت؟ قال: نعم، قال: ردوها علي، فلما جاءت المرأة قال لها عمر: لا بأس بالحق أن تقوليه، إن هذا زعم أنك جئت تشكين زوجك أنه يجتنب فراشك، قالت: أجل إني امرأة شابة، وإني لأبتغي ما تبتغي النساء.
فبعث عمر إلى زوجها فجاء، فقال عمر لكعب: اقض بينهما، فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم، قال كعب: فإني أرى كأنها عليها ثلاث نسوة هي رابعتهم، فأقضي له ثلاثة أيام بلياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة.
فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من رأيك الثاني، اذهب فأنت قاض على أهل البصرة». (انظر بحث الدكتور ربيع دردير محمد علي أستاذ ورئيس قسم الشريعة بأكاديمية دبي، مجلة الأمن والقانون العدد الثاني يوليو 2013).
وهذه القصة التي أقرها عمر فيها دليل على أن المرأة من حقها أن تطالب بمجامعة زوجها لها، لأن ذلك حق مشروع لها متى أرادت لا متى أراد الزوج.
وقد ذهب الجمهور غير الشافعية إلى وجوب ذلك على الزوج شرعاً ويجبر عليه قضاء مرة واحدة، والزيادة عليها من باب حسن المعاشرة، وقدرت المدة بين المجامعتين بأربعة أشهر كما يقول ابن قدامة، ويرى ابن حزم بأنه يجب عليه أن يطأها في كل طهر، لأن الله تعالى يقول: «.. فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله» (الآية 222 من سورة البقرة)، انظر المحلى ج 9 ص 174.
د. عارف الشيخ