الرسول يحض على العدل والسخاء

وما ينطق عن الهوى
05:50 صباحا
قراءة 5 دقائق

في مقدمة أسباب النفور، التي حذر منها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: الظلم والقهر من جانب أولي الأمر، والضنك المعيشي الذي عبّر عنه بالشح . . يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم .

في هذا التوجيه النبوي الكريم يحذر الرسول صلوات الله وسلامه عليه من آفتين من شر الآفات، يترتب عليهما خروج المحكوم على الحاكم، وهلاك الإنسان وضياعه في الدنيا والآخرة، كما نرى الآن من انتحار للمظلومين في مناطق عديدة من العالم وبوسائل شتى وأشكال متعددة، فحذر صلى الله عليه وسلم أمته من هاتين الآفتين، وبيّن ما تشتمل عليه كل آفة منهما من شر وهلاك للظالمين والمظلومين معا، وحاربهما الإسلام بوسائل شتى، كاشفا عما ينطويان عليه من خطر داهم على المجتمع كله، وفساد يستشري في المجتمع .

وقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم أي اجتنبوه، واجعلوا بينكم وبينه سترا ووقاية . . والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، أو هو التصرف في حق الغير دون عدل .

بلاغة نبوية

وهنا كما يقول أستاذ السنة النبوية في جامعة الأزهر، وزير الأوقاف المصري الأسبق، الدكتور محمد الأحمدي أبو النور تتضح عظمة البلاغ النبوي، حين يؤثر كلمة اتقوا في التحذير من الظلم ليصور بشاعة هذه الآفة، ويؤكد أنه أولى بالمسلم أن يحذرها ويبتعد عنها بالتزامه طريق العدل الذي أمر به الله تعالى . . يقول سبحانه: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون .

وأما مصير الظالمين في الآخرة فإن الظالم كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم يلقى ظلمات متتابعة إذا خرج من ظلمة دخل في غيرها، وهكذا يلقى أمامه مظالم العباد ظلاما في آخرته، فهي ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، فتكون الظلمات على هذا محمولة على ظاهرها وحقيقتها في قوله صلى الله عليه وسلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ويحتمل أن يكون كناية عن الهول والشدة في الآخرة بالنسبة للظالمين، فهو تصوير لسوء العاقبة بالنسبة لهم، كما قال تعالى: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع .

عاقبة الظالمين

يقول الدكتور أبو النور: ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد ما للظلم من بشاعة وعدوان على حقوق الآخرين، والذي يتدبر القرآن الكريم يجد أن تحريم الظلم وتجريمه، والعذاب الشديد عليه، قد ورد في مئات الآيات، فتارة يبيّن لنا القرآن أن الظلم يؤدي إلى سوء المصير في الدنيا والآخرة . . قال تعالى: فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، وتارة ينهانا عن الاقتراب من الظالمين فيقول سبحانه: وَلاَ تَرْكَنُواْ إلى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ .

وتارة يخبرنا بأن الظالمين لن يقبل عذرهم يوم الحساب، فيقول: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ .

وتارة يرشدنا إلى أن الظلم سيؤدي إلى الخسران فيقول: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ .

وتارة يصرح بأن الظلم عاقبته الخيبة، فيقول: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً .

وتارة يلفت أنظارنا إلى أن رحمة الله تعالى بالناس، هي التي منعت نزول العذاب بهم من ظلمهم، فيقول: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ .

وتارة يبين لنا أن الظلم يؤدي إلى خراب الديار، وانهيار البنيان، فيقول: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .

فكل هذه الآيات الكريمة السابقة تحمل ألوانا من التهديد والوعيد والتحذير ومن سوء المصير، لأولئك الذين يعتدون ويظلمون ويفسدون في الأرض ولا يصلحون .

الضنك المعيشي

أما الآفة الثانية التي حذر منها رسولنا الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، فهي الشح، والشح على المستوى الفردي يعني كما يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر هو الحرص الشديد على المال وجمعه بشتى الوسائل، وعدم إنفاقه في وجوه الخير، فيظلم الإنسان بهذا التصرف أصحاب الحقوق، ويغبنهم فيكون من الظالمين، وقد يراد من الشح أشد البخل الذي يلازم الحريص على المال .

وعلى المستوى العام يتمثل الشح في الضنك المعيشي الذي يعيشه الفقراء ومحدودو الدخل، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الشح وأمر باتقائه حتى لا يتهالك الناس على الدنيا، ثم بيّن السبب في هذا التوجيه، وهو أنه كان سببا في إهلاك من كان قبلكم، وهم بنو إسرائيل .

ويحتمل أن يكون هلاكاً معنوياً كما يقول الدكتور هاشم بموت القيم الرشيدة والأخلاق السديدة، والفضائل المثلى ويحتمل أن يكون الهلاك على ظاهره وحقيقته بأن يكون هلاكا حسيا .

فضيلتان غائبتان

وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحذر من الظلم والشح يحض بأسلوب مباشر على فضيلتي العدل والسخاء، فمحاربة الظلم كما يؤكد علماء الحديث تعني الدعوة الصريحة إلى العدل، والتحذير من الشح يحمل حضا واضحا على السخاء والكرم، وتقديم الحقوق لأصحابها .

يقول الدكتور الأحمدي: الإسلام دين عدل وإنصاف، والعدل هو إعطاء الحق لصاحبه، مادياً كان هذا الحق أو معنويا، وقد عني القرآن الكريم بتوضيح مكانته، وتجلية نتائجه في جميع الجوانب، قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً .

وللعدل، كما يقول الدكتور هاشم جوانب واسعة في كل جانب منها محاربة للظلم في مختلف صوره وأشكاله، فهناك العدل في العمل، والعدل في القول، والعدل في الشعور والإحساس .

أما العدل في جانب العمل فهو أوسع المجالات في محاربة الظلم، إنه تحقيق للحق في جانب النفس والعرض والمال وسائر الحقوق، فينادي الإسلام بالعدل في هذا الجانب بحيث يحرم كل ظلم يقع على النفس الإنسانية من سفك الدم أو العدوان عليها بأي وجه، وبأي وسيلة، وينشد الإسلام كل وجوه الأمان صيانة للنفس الإنسانية من كل ظلم يقع عليها، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"